تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٣٥
ف * (نعم) * تلك المنازل، في جنات النعيم * (أجر العاملين) * الله. * (الذين صبروا) * على عبادة الله * (وعلى ربهم يتوكلون) * في ذلك. فصبرهم على عباده الله، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك، والمحاربة العظيمة للشيطان، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك. وتوكلهم، يقتضي شدة اعتمادهم على الله، وحسن ظنهم به، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال، ويكملها. ونص على التوكل، وإن كان داخلا في الصبر؛ لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به، ولا يتم إلا به. * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) * أي: الباري تبارك وتعالى، قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم، قويهم، وعاجزهم. فكم * (من دابة) * في الأرض ضعيفة القوى، ضعيفة العقل. * (لا تحمل رزقها) * ولا تدخره، بل لم تزل، لا شيء معها من الرزق، ولا يزال الله يسخر لها الرزق، في كل وقت بوقته. * (الله يرزقها وإياكم) * فكلكم عيال الله القائم برزقكم، كما قام بخلقكم وتدبيركم. * (وهو السميع العليم) * فلا تخقى عليه خافية، ولا تهلك دابة من عدم الرزق، بسبب أنها خافية عليه. كما قال تعالى: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) *. * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون * الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم * ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) * هذا استدلال على المشركين، المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة، وإلزام لهم، بما أثبتوه من توحيد الربوبية. فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض، ومن نزل من السماء ماء، فأحيا به الأرض بعد موتها، ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ * (ليقولن الله) * وحده ولاعترفوا بعجز الأوثان، ومن عبده مع الله، عن شيء من ذلك.. فاعجب لإفكهم، وكذبهم، وعدولهم إلى من أقروا بعجزه، وأنه لا يستحق أن يدبر شيئا. وسجل عليهم عدم العقل، وأنهم السفهاء، ضعفاء الأحلام. فهل تجد أضعف عقلا، وأقل بصيرة، ممن أتى إلى حجر، أو قبر ونحوه وهو يدري أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق ثم صرف له خالص الإخلاص، وصافي العبادية، وأشركه مع الرب، الخالق الرازق، النافع الضار. وقل: الحمد لله الذي بين الهدى من الضلال، وأوضح بطلان ما عليه المشركون، ليحذره الموفقون. وقل: الحمد لله، الذي خلق العالم العلوي والسفلي، وقام بتدبيرهم، ورزقهم، وبسط الرزق على من يشاء، وضيقه عمن يشاء، حكمة منه، ولعلمه بما يصلح عباده، وما ينبغي لهم. * (وما ه ذه الحياة الدنيآ إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون * فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون * أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون * ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جآءه أليس في جهنم مثوى للكافرين * والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) * يخبر تعالى عن حالة الدنيا والآخرة، وفي ضمن ذلك، التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى فقال: * (وما هذه الحياة الدنيا) * في الحقيقة * (إلا لهو ولعب) * تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة. ثم تزول سريعا، وتنقضي جميعا، ولم يحصل منها محبها، إلا على الندم والخسران. * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها، في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودا فيها، كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذة، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت. ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. * (لو كانوا يعلمون) * لما آثروا الدنيا على الآخرة، ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان، ورغبوا في دار اللهو واللعب، تدل ذلك إن الذين يعلمون لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا، لما يعلمونه من حالة الدارين. ثم ألزم تعالى، المشركين بإخلاصهم لله، في حال الشدة، عند ركوب البحر، وتلاطم أمواجه، وخوفهم الهلاك، يتركون وقتذاك أندادهم، ويخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له. فلما زالت عنهم الشدة، ونجى من أخلصوا له الدعاء إلى البر، أشركوا به، من لا نجاهم من شدة، ولا أزال عنهم مشقة. فهلا أخلصوا لله الدعاء، في حال
(٦٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 630 631 632 633 634 635 636 637 638 639 640 ... » »»