تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٤٢
التي صدرت منهم، ويشركون به من لا أسعدهم ولا أشقى، ولا أفقرهم ولا أغنى. وكل هذا، كفر بما آتاهم الله، ومن به عليهم، حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة، وأزال عنهم المشقة. فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة، بالشكر والدوام على الإخلاص له، في جميع الأحوال؟ * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * أي: حجة ظاهرة * (فهو) * أي: ذلك السلطان. * (يتكلم بما كانوا به يشركون) * ويقول لهم: اثبتوا على شرككم، واستمروا على شككم، فإن ما أنتم عليه هو الحق، وما دعتكم الرسل إليه باطل. فهل ذلك السلطان، موجود عندهم، حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟ أم البراهين العقلية والسمعية، والكتب السماوية، والرسل الكرام، وسادات الأنام، قد نهوا أشد النهي عن ذلك، وحذروا من سلوك طرقه الموصلة إليه، وحكموا بفساد عقل ودين من ارتكبه؟ فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان، وإنما هو أهواء النفوس، ونزغات الشيطان. * (وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون * أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * يخبر تعالى، عن طبيعة أكثر الناس، في حالي الرخاء والشدة، أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة، من صحة، وغنى، ونصر ونحو ذلك، فرحوا بذلك، فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. * (وإن تصبهم سيئة) * أي: حال تسوؤهم وذلك * (بما قدمت أيديهم) * من المعاصي. * (إذا هم يقنطون) * ييأسون من زوال ذلك الفقر، والمرض، ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة. * (أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) *. فالقنوط بعدما علم أن الخير والشر من الله، والرزق، سعته وضيقه، من تقديره، ضائع، ليس له محل. فلا تنظر أيها العاقل لمجرد الأسباب، بل اجعل نظرك لمسببها، ولهذا قال: * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * فهم الذين يعتبرون ببسط الله الرزق لمن يشاء، وقبضه. ويعرفون بذلك، حكمة الله ورحمته، وجوده، وجذب القلوب لسؤاله، في جميع مطالب الرزق. * (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأول ئك هم المفلحون * ومآ آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ومآ آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأول ئك هم المضعفون) * أي: فأعط القريب منك على حسب قربه وحاجته حقه الذي أوجبه الشارع، أو حض عليه، من النفقة الواجبة، والصدقة، والهداية، والبر، والسلام، والإكرام، والعفو عن زلته، والمسامحة عن هفوته. وكذلك، آت المسكين، الذي أسكنه الفقر والحاجة، ما تزيل حاجته، وتدفع به ضرورته، من إطعامه، وسقيه وكسوته. * (وابن السبيل) * الغريب المنقطع، في غير بلده، الذي هو مظنة شدة الحاجة، وأنه لا مال معه، ولا كسب يدبر نفسه به في سفره. بخلاف الذي في بلده، فإنه حتى لو لم يكن له مال، فإنه لا بد في الغالب أن يكون في حرفة، أو صناعة ونحوها تسد حاجته. ولهذا جعل الله في الزكاة، حصة للمسكين، وابن السبيل. * (ذلك) * أي: إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل * (خير للذين يريدون) * بذلك العمل * (وجه الله) * أي: خير غزير، وثواب كثير؛ لأنه من أفضل الأعمال الصالحة، والنفع المتعدي، الذي وافق محله، المقرون به الإخلاص. فإن لم يرد به وجه الله، لم يكن خيرا للمعطي، وإن كان خيرا ونفعا للمعطى كما قال تعالى: * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) *. مفهومها، أن هذه الأمور خير، لنفعها المتعدي، ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، فسوف نؤتيه أجرا عظيما. وقوله: * (وأولئك) * الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه الله * (هم المفلحون) * الفائزون بثواب الله، الناجون من عقابه. ولما ذكر العمل، الذي يقصد به وجهه، من النفقات، ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: * (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس) * أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم، وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم، بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل، لا يربو أجره عند الله، لكونه معدوم الشرط، الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل، الذي يراد به الزيادة، في الجاه والرياء عند الناس، فهذا كله لا يربو عند الله. * (وما آتيتم من زكاة) * أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة، ويطهر أموالكم من البخل بها، ويزيد في دفع حاجة المعطى. * (تريدون) * بذلك * (وجه الله فأولئك هم المضعفون) * أي: المضاعف لهم الأجر، الذي تربو نفقاتهم عند الله، ويربيها الله لهم، حتى تكون شيئا كثيرا.
(٦٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 637 638 639 640 641 642 643 644 645 646 647 ... » »»