ودل قوله: * (وما آتيتم من زكاة) * أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق، أو مع دين عليه، لم يقضه، ويقدم عليه الصدقة، أن ذلك ليس بزكاة، يؤجر عليه العبد، ويرد تصرفه شرعا، كما قال تعالى في الذي يمدح: * (الذي يؤتي ماله يتزكى) *. فليس مجرد إيتاء المال خيرا، حتى يكون بهذه الصفة، وهو: أن يكون على وجه، يتزكى به صاحبه. * (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركآئكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) * يخبر تعالى أنه وحده، المنفرد بخلفكم ورزقكم، وإماتتكم وإحيائكم، وأنه ليس أحد من الشركاء، التي يدعوها المشركون، من يشارك الله في شيء من هذه الأشياء. فكيف يشركون، بمن انفرد بهذه الأمور، من ليس له تصرف فيها، بوجه من الوجوه؟ فسبحانه وتعالى، وتقدس، وتنزه، وعلا عن شركهم. فلا يضره ذلك، وإنما وباله عليهم. * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) * أي: استعلن الفساد في البر والبحر، أي: فساد معايشهم ونقصها، وحلول الآفات بها. وفي أنفسهم من الأمراض والوباء، وغير ذلك. وذلك بسبب ما قدمت أيديهم، من الأعمال الفاسدة، المفسدة، بطبعها. هذه المذكورة * (ليذيقهم بعض الذي عملوا) * أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال، فعجل لهم نموذجا، من جزاء أعمالهم في الدنيا. * (لعلهم يرجعون) * عن أعمالهم، التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت. فتصلح أحوالهم، ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه، وتفضل بعقوبته، وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا، ما ترك على ظهرها من دابة. * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) * والأمر بالسير في الأرض، يدخل فيه السير بالأبدان، والسير في القلوب، للنظر والتأمل، بعواقب المتقدمين. * (كان أكثرهم مشركين) * تجدون عاقبتهم شر العواقب، ومآلهم شر مآل. عذاب استأصلهم، وذم ولعن من خلق الله يتبعهم، وخزي متواصل. فاحذروا أن تفعلوا أفعالهم، لئلا يحذى بكم حذوهم، فإن عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان. * (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين) * أي: أقبل بقلبك، وتوجه بوجهك، واسع ببدنك، لإقامة الدين القيم المستقيم. فنفذ أوامره ونواهيه، بجد واجتهاد، وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر زمانك، وحياتك، وشبابك، * (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) * وهو يوم القيامة، الذي إذا جاء، لا يمكن رده، ولا يرجأ العاملون ليستأنفوا العمل، بل فرغ من الأعمال، لم يبق إلا جزاء العمال. * (يومئذ يصدعون) * أي: يتفرقون عن ذلك اليوم، ويصدرون أشتاتا متفاوتين، ليروا أعمالهم. * (من كفر) * منهم * (فعليه كفره) * ويعاقب هو بنفسه، لا تزر وازرة وزر أخرى. * (ومن عمل صالحا) * من الحقوق، التي لله، والتي للعباد، الواجبة والمستحبة. * (فلأنفسهم) * لا لغيرهم * (يمهدون) * أي: يهيئون، ولأنفسهم يعمرون آخرتهم، ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك، جزاؤهم ليس مقصورا على أعمالهم، بل يجزيهم الله من فضله الممدود، وكرمه غير المحدود، ما لا تبلغه أعمالهم. وذلك لأنه أحبهم، وإذا أحب الله عبدا، صب عليه الإحسان صبا، وأجزل له العطايا الفاخرة، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذا بخلاف الكافرين، فإن الله لما أبغضهم ومقتهم، عاقبهم وعذبهم، ولم يزدهم كما زاد من قبلهم، فلهذا قال: * (إنه لا يحب الكافرين) *. * (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) * أي: ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى، وأنه الإله المعبود، والملك المحمود. * (أن يرسل الرياح) * أمام المطر * (مبشرات) * بإثارتها للسحاب، ثم جمعها، فتستبشر بذلك النفوس قبل نزوله. * (وليذيقكم من رحمته) * فينزل عليكم مطرا، تحيا به البلاد والعباد، وتذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته، هي المنقذة للعباد الجالبة لأرزاقهم. فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، الفاتحة لخزائن الرحمة. * (ولتجري الفلك) * في البحر
(٦٤٣)