ذلك في غاية الضعف، وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال الله يزيد في قوته، شيئا فشيئا، حتى بلغ الشباب، واستوت قوته، وكملت قواه الظاهرة والباطنة. ثم انتقل من هذا الطور، ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم. * (يخلق ما يشاء) * بحسب حكمته. ومن حكمته، أن يرى العبد ضعفه، وأن قوته محفوفة بضعفين، وأنه ليس له من نفسه، إلا النقص. ولولا تقوية الله له، لما وصل إلى قوة وقدرة، ولو استمرت قوته في الزيادة، لطغى، وبغى، وعتا. وليعلم العباد، كمال قدرة الله، التي لا تزال مستمرة، يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء، ولا ضعف، ولا نقص، بوجه من الوجوه. * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فه ذا يوم البعث ول كنكم كنتم لا تعلمون * فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون) * يخبر تعالى عن يوم القيامة، وسرعة مجيئه، وأنه إذا قامت الساعة * (يقسم المجرمون) * بالله أنهم * (ما لبثوا) * في الدنيا * (غير ساعة) *. وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر، واستقصار لمدة الدنيا. ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له، قال تعالى: * (كذلك كانوا يؤفكون) * أي: ما زالوا وهم في الدنيا يؤفكون عن الحقائق، ويأتفكون الكذب. ففي الدنيا، كذبوا الحق الذي جاء به المرسلون. وفي الآخرة، أنكروا الأمر المحسوس، وهو اللبث الطويل في الدنيا. فهذا خلقهم القبيح، والعبد يبعث على ما مات عليه. * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان) * أي: من الله عليهم بهما، وصار وصفا لهم، العلم بالحق، والإيمان المستلزم إيثار الحق. وإذا كانوا عالمين بالحق، مؤثرين له، لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع، مناسبا لأحوالهم. فلهذا قالوا الحق: * (لقد لبثتم في كتاب الله) * أي: في قضائه وقدره، الذي كتبه الله عليكم، وفي حكمه * (إلى يوم البعث) * أي: عمرا، يتذكر فيه المتذكر، ويتدبر فيه المتدبر، ويعتبر فيه المعتبر، حتى صار البعث، ووصلتم إلى هذه الحال. * (فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) * فلذلك أنكرتموه في الدنيا، وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا، تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة. فلم يزل الجهل شعاركم، وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم. * (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) * فإن كذبوا، وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة، أو ما تمكنوا من الإيمان، ظهر كذبهم، بشهادة أهل العلم والإيمان، وشهادة جلدهم، وأيديهم، وأرجلهم. وإن طلبوا الإعذار وإن يردوا فلا يعودوا لما نهوا عنه، لم يمكنوا، فإنه فات وقت الإعذار، فلا تقبل معذرتهم. * (ولا هم يستعتبون) * أي: لا يزال عتبهم، والعتاب عنهم. * (ولقد ضربنا للناس في ه ذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون * كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون * فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * أي: * (ولقد ضربنا) * لأجل عنايتنا، ورحمتنا، ولطفنا، وحسن تعليمنا. * (للناس في هذا القرآن من كل مثل) * تتضح به الحقائق، وتعرف به الأمور، وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال، التي يضربها الله، في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار، بما سيكون، وجلاء حقيقته، حتى كأنه وقع. ومنه في هذا الموضع، ذكر الله تعالى، ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم، وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب. ولكن أبى الظالمون الكافرون، إلا معاندة الحق الواضح، ولهذا قال: * (ولئن جئتهم بآية) * أي: أي آية، تدل على صحة ما جئت به * (ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) * أي: قالوا للحق: إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم، وطبع الله على قلوبهم، وجهلهم المفرط، ولهذا قال: * (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) * فلا يدخلها خير، ولا تدرك الأشياء على حقيقتها، بل ترى الحق باطلا، والباطل حقا. * (فاصبر) * على ما أمرت به، وعلى دعوتهم إلى الله. ولو رأيت منهم إعراضا، فلا يصدنك ذلك. * (إن وعد الله حق) * أي: لا شك فيه، وهذا مما يعين على الصبر، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع، بل سيجده كاملا، هان عليه ما يلقاه من
(٦٤٥)