خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * أي: ومن آياته، أن ينزل عليكم المطر، الذي تحيا به البلاد والعبادة، ويريكم قبل نزوله مقدماته، من الرعد، والبرق، الذي يخاف ويطمع فيه. * (إن في ذلك لآيات) * دالة على عموم إحسانه، وسعة علمه، وكمال إتقانه، وعظيم حكمته، وأنه يحيي الموتى، كما أحيا الأرض بعد موتها. * (لقوم يعقلون) * أي: لهم عقول، تعقل بها ما تسمعه، وتراه وتحفظه، وتستدل به، على ما جعل دليلا عليه. * (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون * وله من في السماوات والأرض كل له قانتون * وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) * أي: ومن آياته العظيمة، أن قامت السماوات والأرض، واستقرتا، وثبتتا بأمره، فلم تتزلزلا، ولم تسقط السماء على الأرض. فقدرته العظيمة، التي بها أمسك السماوات والأرض، أن تزولا، يقدر بها، على أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض، إذا هم يخرجون * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) *. * (وله من في السماوات والأرض) * لكل خلقه ومماليكه، والمتصرف فيهم من غير منازع، ولا معاون، ولا معارض، وكلهم قانتون لجلاله، خاضعون لكماله. * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو) * أي: إعادة الخلق بعد موتهم * (أهون عليه) * من ابتداء خلقهم، وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول. فإذا كان قادرا على الابتداء، الذي تقرون به، كانت قدرته على الإعادة، التي هي أهون، أولى وأولى. ولما ذكر من الآيات العظيمة، ما به يعتبر المعتبرون، ويتذكر المؤمنون ويستبصر المهتدون، ذكر الأمر العظيم، والمطلب الكبير فقال: * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) * وهو كل صفة كمال. والكمال في تلك الصفة، والمحبة، والإنابة التامة الكاملة، في قلوب عباده المخلصين، والذكر الجليل، والعبادة منهم. فالمثل الأعلى، هو وصفه الأعلى، وما ترتب عليه. ولهذا كان أهل العلم، يستعملون في حق الباري، قياس الأولى، فيقولون: كل صفة كمال في المخلوقات، فخالقها أحق بالاتصاف بها، على وجه لا يشاركه فيها أحد. وكل نقص في المخلوق، ينزه عنه، فتنزيه الخالق عنه، من باب أولى وأحرى. * (وهو العزيز الحكيم) * أي: له العزة الكاملة، والحكمة الواسعة. فبعزته أوجد المخلوقات، وأظهر المأمورات. وبحكمته، أتقن ما صنعه، وأحسن فيها ما شرعه. * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركآء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون * بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) * هذا مثل ضربه الله، لقبح الشرك وتهجينه، مثلا من أنفسكم، لا يحتاج إلى حل وترحال، وإعمال الجمال. * (هل لكم مما ملكت أيمانكم من ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم) * أي: هل أجد من عبيدكم وإبائكم الأرقاء، يشارككم في رزقكم، وترون أنكم وهم فيه على حد سواء. * (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) * أي: كالأحرار الشركاء في الحقيقة، الذي يخاف من قسمه، واختصاص كل شيء بماله؟ ليس الأمر كذلك، فإنه ليس أحد مما ملكت أيمانكم، شريكا لكم فيما رزقكم الله تعالى. هذا، ولستم الذين خلقتموهم ورزقتموهم، وهم أيضا، مماليك مثلكم، فكيف ترضون أن تجعلوا لله شريكا من خلقه، وتجعلونه بمنزلته، وعديلا له في العبادة، وأنتم لا ترضون مساواة مماليككم لكم؟ وهذا من أعجب الأشياء، ومن أدل شيء على سفه من اتخذ شريكا مع الله، وأن ما اتخذه باطل مضمحل، ليس مساويا لله، ولا له من العبادة شيء. * (كذلك نفصل الآيات) * بتوضيحها بأمثلتها * (لقوم يعقلون) * الحقائق ويعرفون. وأما من لا يعقل، فلو فصلت له الآيات، وبينت له البينات، لم يكن له عقل يبصر به ما تبين، ولا لب يعقل به ما توضح. فأهل العقول والألباب، هم الذين يساق إليهم الكلام، ويوجه الخطاب. وإذا علم من هذا المثال، أن من اتخذ من دون الله شريكا، يعبده ويتوكل عليه في أموره، ليس معه من الحق شيء، فما الذي أوجب لهم الإقدام، على أمر باطل، توضح الله بطلانه، وظهر برهانه؟ لقد أوجب لهم ذلك، اتباع الهوى، فلهذا قال: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) * هويت أنفسهم الناقصة، التي ظهر من نقصها، ما تعلق به هواها، أمرا يجزم العقل بفسادة، والفطر برده، بغير علم دلهم عليه، ولا برهان قادهم إليه. * (فمن يهدي من أضل الله) * أي: لا تعجبوا من عدم هدايتهم، فإن الله تعالى أضلهم بظلمهم، ولا طريق لهداية من أضل الله؛ لأنه ليس أحد معارضا صلى الله عليه وسلم، أو منازعا له في ملكه. * (وما لهم من ناصرين) * ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب، وتنقطع بهم الوصل والأسباب. * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم
(٦٤٠)