النبات من الأرض الميتة، والسنبلة من الحبة، والشجرة من النواة، والفرخ من البيضة، والمؤمن من الكافر، ونحو ذلك. * (ويخرج الميت من الحي) * بعكس المذكور * (ويحيي الأرض بعد موتها) *. فينزل عليها المطر، وهي ميتة هامدة، فإذا أنزل عليها الماء، اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج * (وكذلك تخرجون) * من قبوركم. فهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع، أن الذي أحيا الأرض بعد موتها، يحيي الأموات. فلا فرق في نظر العقل بين الأمرين، ولا موجب لاستبعاد أحدهما مع مشاهدة الآخر. * (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * هذا شروع في تعداد آياته الدالة على انفراده بالإلهية، وكمال عظمته. ونفوذ مشيئته، وقوة اقتداره، وجميل صنعه، وسعة رحمته وإحسانه فقال: * (ومن آياته أن خلقكم من تراب) * وذلك بخلق أصل النسل، آدم عليه السلام * (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) * وبثكم في أقطار الأرض وأرجائها. ففي ذلك إيات على أن الذي أنشأكم من هذا الأصل، وبثكم في أقطار الأرض، هو الرب المعبود، الملك المحمود، والرحيم الودود، الذي سيعيدكم بالبعث بعد الموت. * (ومن آياته) * الدالة على رحمته، وعنايته بعباده، وحكمته العظيمة، وعلمه المحيط. * (أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) * تناسبكم وتناسبونهن، وتشاكلكم وتشاكلونهن. * (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) * بما رتب على الزواج، من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة. فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة، والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها. فلا تجد بين اثنين في الغالب، مثل ما بين الزوجين، من المودة والرحمة. * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * يعملون أفكارهم، ويتدبرون آيات الله، وينتقلون من شيء إلى شي. * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) * والعالمون، هم أهل العلم، الذين يفهمون العبر، ويتدبرون الآيات، وآيات الله في ذلك كثيرة: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض) * وما فيهما، فإن ذلك، دال على عظمة سلطان الله، وكمال اقتداره، الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة وكمال حكمته، لما فيها من الإتقان، وسعة علمه لأن الخالق، لا بد أن يعلم ما خلقه * (ألا يعلم من خلق) * وعموم رحمته وفضله، لما في ذلك من المنافع الجليلة. وأنه المريد، الذي يختار ما يشاء، لما فيها من التخصيصات والمزايا. وأنه وحده، الذي يستحق أن يعبد ويوحد؛ لأنه المنفرد بالخلق، فيجب أن يفرد بالعبادة. فكل هذه، أدلة عقلية، نبه الله العقول إليها، وأمرها بالتفكر، واستخراج العبرة منها. * (و) * كذلك في * (اختلاف ألسنتكم وألوانكم) * على كثرتكم وتباينكم مع أن الأصل واحد، ومخارج الحروف واحدة. ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كل وجه، إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. * (إن في ذلك لآيات للعالمين) * أي: إن هذا دال على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته. ومن عنايته بعباده، ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف لئلا يقع التشابه فيحصل الاضطراب، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب. * (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * أي سماع تدبر، وتعقل للمعاني والآيات في ذلك. إن ذلك دليل على رحمة الله تعالى، كما قال: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *. وعلى تمام حكمته، إذ حكمته، اقتضت سكون الخلق في وقت، ليستريحوا ويستجموا. وانتشارهم في وقت، لمصالحهم الدينية والدنيوية، ولا يتم ذلك، إلا بتعاقب الليل والنهار عليهم، والمنفرد بذلك، هو المستحق للعبادة. * (ومن آياته يريكم البرق
(٦٣٩)