تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٣١
تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم، وآثارهم، التي بانوا عنها. وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات، المفيدة للبصيرة فكذبوهم، وجادلوهم. * (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين * فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ول كن كانوا أنفسهم يظلمون) * * (وزين لهم الشيطان أعمالهم) * حتى ظنوا أنها أفضل مما جاءتهم به الرسل. وكذلك قارون، وفرعون، وهامان، حين بعث الله إليهم موسى بن عمران، بالآيات البينات، والبراهين الساطعات، فلم ينقادوا، واستكبروا في الأرض، على عباد الله، فأذلوهم، وعلى الحق فردوه، فلم يقدروا على النجاء حين نزلت بهم العقوبة. * (وما كانوا سابقين) * الله، ولا فائتين، بل سلموا واستسلموا. * (فكلا) * من هؤلاء الأمم المكذبة * (أخذنا بذنبه) * على قدره، وبعقوبة مناسبة له. * (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) * أي: عذابا يحصبهم، كقوم عاد، حين أرسل الله عليهم الريح العقيم، و * (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) *. * (ومنهم من أخذته الصيحة) * كقوم صالح، * (ومنهم من خسفنا به الأرض) * كقوم صالح، * (ومنهم من خسفنا به الأرض) * كقارون. * (ومنهم من أغرقنا) * كفرعون وهامان، وجنودهما. * (وما كان الله) * أي: ما ينبغي ولا يليق به * (ليظلمهم) * لكمال عدله، وغناه التام، عن جميع الخلق. * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * منعوها حقها، الذي هي بصدده، فإنها مخلوقة لعبادة الله وحده. فهؤلاء وضعوها في غير موضعها، وشغلوها بالشهوات والمعاصي، فضروها غاية الضرر، من حيث ظنوا أنهم ينفعونها. * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون * إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم * وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلهآ إلا العالمون) * هذا مثل ضربه الله، لمن عبد معه غيره، يقصد به التعزز والتقوي، والنفع، وأن الأمر بخلاف مقصوده، فإن مثله كمثل العنكبوت، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات. * (وإن أوهن البيوت) * أي: أضعفها وأوهاها * (لبيت العنكبوت) *. فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة، وبيتها من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا. كذلك هؤلاء، الذين يتخذون من دونه أولياء، فقراء، عاجزون، من جميع الوجوه، وحين اتخذوا الأولياء من دونه، يتعززون بهم، ويستنصرونهم، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم، ووهنا إلى وهنهم فإن اتكلوا عليهم، في كثير من مصالحهم، وألقوها عليهم، تخلوا هم عنها. على أن أولئك سيقومون بها. فخذلوهم، فلم يحصلوا منهم على طائل، ولا أنالوهم من معونتهم، أقل نائل. فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم حالهم، وحال من اتخذوهم، لم يتخذوهم، ولتبرؤوا منهم، ولتولوا الرب القادر الرحيم، الذي إذا تولاه عبده، وتوكل عليه، كفاه مؤونة دينه ودنياه، وازداد قوة إلى قوته، في قلبه وبدنه وحاله وأعماله. ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين ارتقى من هذا، إلى ما هو أبلغ منه، وأنها ليست بشيء، بل هي مجرد أسماء سموها، وظنون اعتقدوها. وعند التحقيق، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها، ولهذا قال: * (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء) * أي: إنه تعالى يعلم وهو عالم الغيب والشهادة أنهم ما يدعون من دون الله شيئا موجودا، ولا إلها له حقيقة، كقوله تعالى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) *. وقوله: * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن) *. * (وهو العزيز) * الذي له القوة جميعا، الذي قهر بها جميع الخلق. * (الحكيم) * الذي يضع الأشياء مواضعها، الذي أحسن كل شيء خلقه، وأتقن ما أمره. * (وتلك الأمثال نضربها للناس) * أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم، لأنها تقرب الأمور المعقولة، بالأمور المحسوسة فيتضح المعنى المطلوب بسببها، فهي مصلحة لعموم الناس. لكن * (ما يعقلها) * بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب. * (إلا العلمون) * أي: إلا أهل العلم الحقيقي، الذين وصل العلم إلى قلوبهم. وهذا مدح للأمثال، التي يضربها، وحث على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها. وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها، ليس من العالمين. والسبب في ذلك، أن الأمثال التي يضربها الله في القرآن، إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة. فأهل العلم، يعرفون أنها أهم من غيرها، لاعتناء الله بها، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها. فيبذلون جهدهم في معرفتها. وأما من لم يعقلها، مع أهميتها، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة، فعدم معرفته غيرها، من باب أولى وأحرى. ولهذا، أكثر ما يضرب الله الأمثال في أصول الدين، ونحوها. * (خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين) * أي: هو تعالى، المنفرد بخلق السماوات، على علوها وارتفاعها وسعتها وحسنها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والملائكة. والأرض وما فيها من الجبال والبحار والبراري والقفار، والأشجاء ونحوها. وكل ذلك خلقه بالحق، أي لم يخلقها عبثا، ولا سدى، ولا لغير فائدة. وإنما خلقها، ليقوم أمره وشرعه، ولتتم نعمته على عباده، وليروا من حكمته، وفهره وتدبيره، ما يدلهم على أنه وحده، معبودهم، ومحبوبهم، وإلههم. * (إن في ذلك لآية للمؤمنين) * على كثير من
(٦٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 626 627 628 629 630 631 632 633 634 635 636 ... » »»