وأن الله أرسل عبده ورسوله، نوحا عليه السلام، إلى قومه، يدعوهم إلى التوحيد، وإفراد الله بالعبادة، والنهي عن الأنداد والأصنام. * (فلبث فيهم) * نبيا داعيا * (ألف سنة إلا خمسين عاما) *، وهو لا يني بدعوتهم، ولا يفتر في نصحهم، يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا، فلم يرشدوا، ولا اهتدوا. بل استمروا على كفرهم وطغيانهم، حتى دعا عليهم نبيهم نوح، عليه الصلاة والسلام، مع شدة صبره، وحلمه، واحتماله فقال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) *. * (فأخذهم الطوفان) * أي: الماء الذي نزل من السماء بكثرة، ونبع من الأرض بشدة * (وهم ظالمون) * مستحقون للعذاب. * (فأنجيناه وأصحاب السفينة) * الذين ركبوا معه، أهله ومن آمن به. * (وجعلناها) * أي: السفينة، أو قصة نوح * (آية للعالمين) * يعتبرون بها، على أن من كذب الرسل، آخر أمره الهلاك، وأن المؤمنين سيجعل الله لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا. وجعل الله أيضا السفينة، أي: جنسها آية للعالمين، يعتبرون بها رحمة ربهم، الذي قيض لهم أسبابها، ويسر لهم أمرها، وجعلها تحملهم، وتحمل متاعهم، من محل إلى محل، ومن قطر إلى قطر. * (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون * ومآ أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * يذكر تعالى، أن أرسل خليله، إبراهيم عليه السلام إلى قومه، يدعوهم إلى الله. فقال لهم: * (اعبدوا الله) * أي: وحدوه، وأخلصوا له العبادة، وامتثلوا ما أمركم به. * (واتقوه) * أن يغضب عليكم، فيعذبكم، وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي. * (ذلكم) * أي: عبادة الله وتقواه * (خير لكم) * من ترك ذلك. وهذا من باب إطلاق (رد فعل التفضيل) بما ليس في الطرف الآخر منه شيء. فإن ترك عباده الله، وترك تقواه، لا خير فيه بوجه، وإنما كانت عبادة الله وتقواه، خيرا للناس، لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته، في الدنيا والآخرة، إلا بذلك. وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة، فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. * (إن كنتم تعلمون) * ذلك، فاعلموا الأمور، وانظروا، ما هو أولى بالإيثار. فلما أمرهم بعباده الله وتقواه، نهاهم عن عبادة الأصنام، وبين لهم نقصها، وعدم استحقاقها للعبودية فقال: * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) * تنحتونها، وتخلقونها بأيديكم، وتخلقون لها أسماء الآلهة، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك. * (إن الذين تعبدون من دون الله) * في نقصه، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته. * (لا يملكون لكم رزقا) * فكأنه قيل: قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة، لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأن من هذا وصفه، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة، من العبادة والتأله، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه، وتسأله حوائجها. فقال حاثا لهم على من يستحق العباد * (فابتغوا عند الله الرزق) * فإنه هو الميسر له، المقدر، المجيب لدعوة من دعاه لمصالح دينه ودنياه. * (واعبدوه) * وحده لا شريك له، لكونه الكامل النافع الضار، المتفرد بالتدبير. * (واشكروا له) * وحده، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق، من النعم، فمنه. وجميع ما اندفع، ويندفع من النقم عنهم، فهو الدافع لها. * (إليه ترجعون) * فيجازيكم على ما عملتم، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم. فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم، وارغبوا فيما يقربكم إليه، ويثيبكم عند القدوم عليه. * (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده) * يوم القيامة * (ان ذلك على الله يسير) *. كما قال تعالى: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) *. * (قل) * لهم، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء: * (سيروا في الأرض) * بأبدانكم وقلوبكم * (فانظروا كيف بدأ الخلق) * فإنكم ستجدون أمما من الآدميين، لا تزال توجد شيئا فشيئا، وتجدون النبات والأشجار، كيف تحدث، وقتا بعد وقت، وتجدون السحاب والرياح ونحوها، مستمرة في تجددها. بل الخلق دائما في بدء وإعادة. فانظروا
(٦٢٨)