الرخاء والشدة، واليسر والعسر، ليكونوا مؤمنين حقا، مستحقين ثوابه، مندفعا عنهم عقابه. ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم، بالنجاة من البحر، ليكون عاقبته الكفر بما رتيناهم، ومقابلة النعمة بالإساءة، وليكملوا تمتعهم في الدنيا، الذي هو كتمتع الأنعام، ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم. * (فسوف يعلمون) * حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، شدة الأسف، وأليم العقوبة. ثم امتن عليهم بحرمه الآمن، وأنهم أهله في أمن، وسعة وزرق، والناس من حولهم، يتخطفون ويخافون. فلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف. * (أفبالباطل يؤمنون) * وهو ما هم عليه من الشرك، والأقوال، والأفعال الباطلة. * (وبنعمة الله) * هم * (يكفرون) * فأين ذهبت عقولهم، وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى، والباطل على الحق، والشقاء على السعادة، وحيث كانوا أظلم الخلق. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل، إلى الله. * (أو كذب بالحق لما جاءه) * على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا الظالم العنيد، أمامه جهنم * (أليس في جهنم مثوى للكافرين) * يؤخذ بها منهم الحق، ويخزون بها، وتكون منزلهم الدائم، الذي لا يخرجون منه. * (والذين جاهدوا فينا) * وهم الذين هاجروا في سبيل الله، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته. * (لنهدينهم سبلنا) * أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك، لأنهم محسنون. * (وإن الله لمع المحسنين) * بالعون، والنصر، والهداية. دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب، أهل الجهاد. وعلى أن من أحسن فيما أمر به، أعانه الله، ويسر له أسباب الهداية. وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية، والمعونة على تحصيل مطلوبه، أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم. فإن طلب العالم الشرعي، من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين. والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين. تم تفسير سورة العنكبوت. سورة الروم * (ال م * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ول كن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) * كانت الفرس والروم، في ذلك الوقت، من أقوى دول الأرض. وكان يكون بينهما من الحروب والقتال، ما يكون بين الدول المتوازنة. وكانت الفرس مشركين، يعبدون النار. وكانت الروم أهل كتاب، ينتسبون إلى التوراة والإنجيل، وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس، فكان المسلمون يحبون غلبتهم، وظهورهم على الفرس. وكان المشركون، لاشتراكهم والفرس في الشرك، يحبون ظهورالفرس على الروم. فظهر الفرس على الروم، وغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم، بل أدنى أرضهم. ففرح بذلك مشركو مكة، وحزن المسلمون، فأخبرهم الله ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس. * (في بضع سنين) * تسع، أو ثمان، ونحو ذلك، مما لا يزيد في العشر، ولا ينقص عن الثلاث، وأن غلبة الفرس للروم، ثم غلبة الروم للفرس، كل ذلك بمشيئته وقدره ولهذا قال: * (لله الأمر من قبل ومن بعد) * فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الأسباب. وإنما هي لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر. * (ويومئذ) * أي: يوم يغلب الروم الفرس ويقهرونهم * (يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) * أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس، وإن كان الجميع كفارا، ولكن بعض الشر أهون من بعض، ويحزن يومئذ المشركون. * (وهو العزيز) * الذي له العزة، التي قهر بها الخلائق أجمعين * (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) *. * (الرحيم) * بعباده المؤمنين، حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم، ما
(٦٣٦)