به، واتخذه إلها، وآمن بجميع كتبه، ورسله، وانقاد لله واتبع رسله، فهو السعيد. ومن انحرف عن هذا الطريق، فهو الشقي. * (وكذلك أنزلنآ إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن ه ؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنآ إلا الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) * أي: * (وكذلك أنزلنا إليك) * يا محمد، هذا * (الكتاب) * الكريم، المبين كل نبأ عظيم. الداعي إلى كل خلق فاضل، وأمر كامل، المصدق للكتب السابقة، المخبر به الأنبياء الأقدمون. * (فالذين آتيناهم الكتاب) * فعرفوه حق معرفته، ولم يداخلهم حسد وهوى. * (يؤمنون به) * لأنهم تيقنوا صدقه، بما لديهم من الموافقات، وبما عندهم من البشارات، وبما تميزوا به، من معرفة الحسن والقبيح، والصدق والكذب. * (ومن هؤلاء) * الموجودين * (من يؤمن به) * إيمانا عن بصيرة، لا عن رغبة ولا رهبة. * (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) * الذين دأبهم الجحود للحق، والعناد له. وهذا حصر لمن كفر به، لا يكون من أحد، قصده متابعة الحق. وإلا فكل من له قصد صحيح، فإنه لا بد أن يؤمن به، لما اشتمل عليه من البينات، لكل من له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد. ومما يدل على صحته، أنه جاء به هذا النبي الأمين، الذي عرف قومه صدقه، وأمانته، ومدخله ومخرجه، وسائر أحواله، وهو لا يكتب بيده خطا، بل ولا يقرأ خطا مكتوبا. فإتيانه به في هذه الحال، من أظهر البينات القاطعة، التي لا تقبل الارتياب، أنه من عند الله العزيز الحميد، ولهذا قال: * (وما كنت تتلو) * أي: تقرأ * (من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا) * لو كنت بهذه الحال * (لارتاب المبطلون) * فقالوا: تعلمه من الكتب السابقة، أو استنسخه منها. * (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) * فأما وقد نزل على قلبك، كتابا جليلا تحديت به الفصحاء البلغاء، الأعداء الألداء أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا غاية العجز، بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة، لعلمهم ببلاغته وفصاحته، وأن كلام أحد من البشر، لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله، ولهذا قال: * (بل هو آيات بينات) * إلى * (الظالمون) *. * (بل هو) * أي: هذا القرآن * (آيات بينات) * لا خفيات. * (في صدور الذين أوتوا العلم) * وهم: سادة الخلق، وعقلاؤهم، وأولو الألباب منهم، والكمل منهم. فإن كان آيات بينات، في صدور أمثال هؤلاء، كانوا حجة على غيرهم. وإنكار غيرهم، لا يضر، ولا يكون ذلك إلا ظلما، ولهذا قال: * (وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) * لأنه لا يجحدها إلا جاهل، تكلم بغير علم، ولم يقتد بأهل العلم، ومن هو متمكن من معرفته على حقيقته، أو متجاهل، عرف أنه حق فعانده، وعرف صدقه، فخالفه. * (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنمآ أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنآ أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون * قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أول ئك هم الخاسرون) * أي: واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول، ولما جاء به، واقترحوا عليه، نزول آيات، عينوها كما قال الله عنهم: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * الآيات. فتعيين الآيات، ليس عندهم، ولا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن في ذلك تدابير، مع الله، وأنه لو كان كذا، وينبغي أن يكون كذا، وليس لأحد من الأمر شيء. ولهذا قال: * (قل إنما الآيات عند الله) * إن شاء أنزلها، أو منعها * (وإنما أنا نذير مبين) * وليس لي مرتبة، فوق هذه المرتبة. وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل، فإذا حصل المقصود بأي طريق كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك، ظلما وجورا، وتكبرا على الله، وعلى الحق. بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، ويكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها، كان ذلك ليس بإيمان، وإنما ذلك، شيء وافق أهواءهم، فآمنوا، لا لأنه حق، بل لتلك الآيات. فإي فائدة حصلت، في إنزالها على التقدير الفرضي؟ ولما كان المقصود بيان الحق، ذكر تعالى طريقه فقال: * (أو لم يكفهم) * في علمهم بصدقك، وصدق ما جئت به * (أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) *. وهذا كلام مختصر جامع، فيه من الآيات البينات، والدلالات الباهرات، شيء كثير، فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده، وهو أمي، من أكبر الآيات على صدقه.
(٦٣٣)