إليهم وقت موتتهم الصغرى النوم وقد هجم عليهم الليل بظلامه، فسكنت منهم الحركات، وانقطعت منهم الأصوات، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين. ثم إنهم لم يزالوا على ذلك، طول ليلهم، حتى تنفلق الأصباح، فانتبهوا من رقدتهم، وبعثوا من موتتهم، قائلين: * (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) * ولهذا قال: * (ثم الله) * بعد الإعادة * (ينشئ النشأة الآخرة) * وهي النشأة لا تقبل موتا، ولا نوما، وإنما هو الخلود والدوام، في إحدى الدارين. * (إن الله على كل شيء قدير) * فقدرته تعالى، لا يعجزها شيء، وكما قدر بها على ابتداء الخلق، فقدرته على الإعادة، من باب أولى وأخرى. * (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء) * أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي، وهو: إثابة الطائعين، ورحمتهم، وتعذيب العاصين والتنكيل بهم. * (وإليه تقلبون) * أي: ترجعون إلى الدار، التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته. فاكتسبوا في هذه الدار، ما هو من أسباب رحمته من الطاعات. وابتعدوا عن أسباب عذابه، وهي المعاصي. * (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء) * أي: يا هؤلاء المكذبين، المتجرئين على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو أنكم معجزون لله في الأرض، ولا في السماء. فلا تغرنكم قدرتكم، وما زينت لكم أنفسكم، وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله فلستم بمعجزين الله، في جميع أقطار العالم. * (وما لكم من دون الله من ولي) * يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. * (ولا نصير) * ينصركم، فيدفع عنكم المكاره. * (والذين كفروا بآيات الله ولقائه أول ئك يئسوا من رحمتي وأول ئك لهم عذاب أليم) * يخبر تعالى، من هم الذين زال عنهم الخير، وحصل لهم الشر. وأنهم الذين كفروا به وبرسله، وبما جاءوهم به، وكذبوا بلقاء الله. فليس عندهم، إلا الدنيا، فلذلك أقدموا، على ما أقدموا عليه، من الشرك والمعاصي، لأنه ليس في قلوبهم، ما يخوفهم من عاقبة ذلك ولهذا قال: * (أولئك يئسوا من رحمتي) * أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا، يحصلون به الرحمة. وإلا، فلو طمعوا في رحمته، لعملوا لذلك أعمالا. والإياس من رحمة الله، من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم كل سبب يقربهم منها. وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم، أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس. * (وأولئك لهم عذاب أليم) * أي: مؤلم مؤجع. وكأن هذه الآيات، معترضات، بين كلام إبراهيم لقومه، وردهم عليه، والله أعلم بذلك. * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) * أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبرهيم، حين دعاهم إلى ربه، قبول دعوته، والاهتداء بنصحه، ورؤية نعمة الله عليهم بإرساله إليهم. وإنما كان مجاوبتهم له، شر مجاوبة. * (قالوا اقتلوه أو حرقوه) * أشنع القتلات، وهم أناس مقتدرون، لهم السلطان، فألقوه في النار * (فأنجاه الله) * منها. * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل، وبرهم ونصحهم، وبطلان قول من خالفهم، وناقضهم وأن المعارضين للرسل، كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا على التكذيب. * (وقال) * لهم إبراهيم في جملة ما قاله من نصحه: * (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا) * أي: غاية ذلك، مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل. * (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) * أي: يتبرأ كل من العبابدين والمعبودين، من الآخر * (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) *. فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ من عابديه ويلعنهم؟ أن * (مأواكم) * جميعا، العابدين والمعبودين * (النار) *. وليس أحد، ينصرهم من عذاب الله، ولا يدفع عنهم عقابه. * (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * أي: لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يدعو قومه، وهو مستمرون على عنادهم، إلا أنه آمن له بدعوته لوط، الذي نبأه الله، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره. * (وقال) * إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيد شيئا: * (إني مهاجر إلى ربي) * أي: هاجر أرض السوء، ومهاجر إلى الأرض المباركة، وهو الشام. * (إنه هو العزيز) * أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم. ولكنه * ( حكيم) * ما اقتضت حكمته ذلك. ولما اعتزلهم وفارقهم، وهم بحالهم، لم
(٦٢٩)