تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٢٦
* (ولا تدع مع الله إلها آخر) * بل أخلص لله عبادتك، فإنه * (لا إله إلا هو) * فلا أحد يستحق أن يؤله، ويحب، ويعبد، إلا الله الكامل الباقي الذي * (كل شيء هالك إلا وجهه) * وإذا كان كل شيء سواه هالكا مضمحلا، فعبادة الهالك الباطل باطلة، ببطلان غايتها، وفساد نهايتها. * (له الحكم) * في الدنيا والآخرة * (وإليه) * لا إلى غيره * (ترجعون) *. فإذا كان ما سوى الله باطلا هالكا، والله هو الباقي، الذي لا إله إلا هو، وله الحكم في الدنيا والآخرة، وإليه مرجع الخلائق كلهم، ليجازيهم بأعمالهم، تعين على من له عقل، أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويعمل لما يقربه ويدنيه، ويحذر من سخطه وعقابه، وأن يقدم على ربه غير تائب، ولا مقلع عن خطأه وذنوبه. تم تفسير سورة القصص. سورة العنكبوت * (ال م * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) * يخبر تعالى، عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال: (إنه مؤمن) وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة، يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه. فإنه لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل. ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين، في هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها، إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة. فمن كان عند ورود الشبهات، يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل على صدق إيمانه وصحته. ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه، شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات، تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام: درجات، لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر. فنسأل الله تعالى، أن يثبتنا بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس، بمنزلة الكير، يخرج خبثها، وطيبها. * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) * أي: أحسب الذين همهم، فعل السيئات، وارتكاب الجنايات، أن أعمالهم ستهمل، وأن الله سيغفل عنهم، أو يفوتونه، فلذلك أقدموا عليها، وسهل عليهم عملها؟ * (ساء ما يحكمون) * أي: ساء حكمهم، فإنه حكم جائر، لتضمنه إنكار قدرة الله وحكمته، وأن لديهم قدرة، يمتنعون بها من عقاب الله، وهو أضعف شيء وأعجزه. * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين) * يعني: يا أيها المحب لربه المشتاق لقربه ولقائه، المسارع في مرتضاته، أبشر بقرب لقاء الحبيب، فإنه آت، وكل ما هو آت قريب. فتزود للقائه، وسر نحوه، مستصحبا الرجاء، مؤملا الوصول إليه. ولكن، ما كل من يدعي يعطى بدعواه، ولا كل من تمنى، يعطى ما تمناه، فإن الله سميع للأصوات، عليم بالنيات. فمن كان صادقا في ذلك، أناله ما يرجو، ومن كان كاذبا، لم تنفعه دعواه. وهو العليم بمن يصلح لحبه، ومن لا يصلح. * (ومن جاهد) * نفسه وشيطانه، وعدوه الكافر، * (فإنما يجاهد لنفسه) * لأن نفعه راجع إليه، و * (إن الله لغني عن العالمين) * لم يأمرهم به لينتفع به، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم. وقد علم أن الأوامر والنواهي، يحتاج المكلف فيها إلى جهاد، لأن نفسه، تتثاقل بطبعها عن الخير، وشيطانه ينهاه عنه، وعدوه الكافر، يمنعه من إقامة دينه، كما ينبغي. وكل هذه معارضات، تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد. * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) * يعني أن الذي من الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح، سيكفر الله عنهم سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات. * (ولنجزينهم أحسن الذي
(٦٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 621 622 623 624 625 626 627 628 629 630 631 ... » »»