* (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنآ إنا كنا من قبله مسلمين * أول ئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون * وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) * يذكر تعالى، عظمة القرآن، وصدقه، وحقه، وأن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه، ويؤمنون به، ويقرون بأنه الحق: * (الذين آتيناهم الكتاب في قبله) * وهم أهل التوراة، والإنجيل، الذي لم يغيروا ولم يبدلوا * (هم به) * أي: بهذا القرآن، ومن جاء به * (يؤمنون) *. * (وإذا يتلى عليهم) * استمعوا له، وأذعنوا و * (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا) * لموافقته ما جاءت به الرسل، ومطابقته لما ذكر في الكتب، واشتماله على الأخبار الصادقة، والأوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة. وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم، وينفع قولهم، لأنهم لا يقولون ما يقولون إلا عن علم وبصيرة، لأنهم أهل الخبرة، وأهل الكتب. وغيرهم لا يدل ردهم ومعارضتهم للحق، على شبهة، فضلا عن الحجة، لأنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل معاند للحق. قال تعالى: * (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) * الآيات. وقوله: * (إنا كنا من قبله مسلمين) * فلذلك ثبتنا على ما من الله به علينا من الإيمان والإسلام، فصدقنا بهذا القرآن، آمنا بالكتاب الأول، والكتاب الآخر. وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب، إيمانه بالكتاب الأول. * (أولئك) * الذين آمنوا بالكتابين * (يؤتون أجرهم مرتين) * أجرا على الإيمان الأول، وأجرا على الإيمان الثاني. * (بما صبروا) * على الإيمان، وثبتوا على العمل، فلم تزعزعهم عن ذلك، شبهة، ولا ثناهم عن الإيمان، رياسة ولا شهوة. * (و) * من خصالهم الفاضلة، التي هي من آثار إيمانهم الصحيح، أنهم * (يدرؤون بالحسنة السيئة) * أي: دأبهم وطريقتهم الإحسان لكل أحد، حتى للمسيء إليهم، بالقول والفعل، يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم، وأنه لا يوفق له ذو حظ عظيم. * (وإذا سمعوا اللغو) * من جاهل خاطبهم به، أعرضوا عنه، و * (قالوا) * مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: * (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) * أي: كل سيجازى بعمله، الذي عمله وحده، وليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك، أنهم يتبرؤن مما عليه الجاهلون، من اللغو والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه. * (سلام عليكم) * أي: لا تسمعون منا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم. فإنكم، وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم، فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه. * (لا نبتغي الجاهلين) * من كل وجه. * (إنك لا تهدي من أحببت ول كن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) * يخبر تعالى أنك يا محمد وغيرك من باب أولى لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا، أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح لها، فيبقيه على ضلاله. وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * فتلك هداية البيان والإرشاد. فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له. وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا. ولهذا لو كان قادرا عليها، لهدى من وصل إليه إحسانه، ونصره، ومنعه من قومه، عمه أبا طالب، ولكنه أوصل إليه من الإحسان بالدعوة له للدين والنصح التام، ما هو أعظم مما فعله معه عمه، ولكن الهداية بيد الله. * (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنآ أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ول كن أكثرهم لا يعلمون * وكم أهلكنا من قرية
(٦٢٠)