في كتبه وأخبرت بها رسله، التي جمعت كل نعيم، واندفع عنها كل مكدر ومنغص. * (نجعلها) * دارا وقرارا * (للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) * أي: ليس لهم إرادة فكيف العمل للعلو في الأرض، على عباد الله، والتكبر عليهم وعلى الحق * (ولا فسادا) * وهذا شامل لجميع المعاصي. فإذا كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض، ولا الفساد، لزم من ذلك، أن تكون إرادتهم مصروفة إلى الله، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد الله، والانقياد للحق والعمل الصالح. وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة الحسنى، ولهذا قال: * (والعاقبة) * أي: حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر، لمن اتقى الله تعالى. وغيرهم وإن حصل لهم بعض الظهور والراحة فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة، نصيب، ولا لهم منها حظ. * (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) * يخبر تعالى عن مضاعفة فضله، وتمام عدله فقال: * (من جاء بالحسنة) * شرط فيها أن يأتي بها العامل، لأنه قد يعملها، ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه، أو يبطلها، فهذا لم يجئ بالحسنة. والحسنة، اسم جنس يشمل جميع ما أمر الله به ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة، والباطنة، المتعلقة بحقه تعالى، وحقوق العباد * (فله خير منها) * أي: أعظم وأجل، وفي الآية الأخرى * (فله عشر أمثالها) *. هذا التضعيف للحسنة، لا بد منه، وقد يقترن بذلك من الأسباب، ما تزيد به المضاعفة كما قال تعالى: * (والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) * بحسب حال العامل وعمله، ونفعه، ومحله، ومكانه. * (ومن جاء بالسيئة) * وهي كل ما نهى الشارع عنه، نهي تحريم. * (فلا يجزى الذي علموا السيئات إلا ما كانوا يعملون) * كقوله تعالى: * (من جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون) *. * (إن الذي فرض عليك القرآن لرآدك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين * وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين * ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين * ولا تدع مع الله إل ها آخر لا إل ه إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * يقول تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن) * أي: نزله، وفرض فيه الأحكام، وبين فيه الحلال والحرام، وأمرك بتبليغه للعالمين، والدعوة لأحكامه، جميع المكلفين، لا يليق بحكمته، أن تكون هي الحياة الدنيا فقط، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا. بل لا بد أن يردك إلى معاد، يجازى فيه المحسنون بإحسانهم، والمسيئون بمعصيتهم. وقد بينت لهم الهدى، وأوضحت لهم المنهج. فإن تبعوك، فذلك حظهم وسعادتهم. وإن أبوا إلا عصيانك، والقدح بما جئت به من الهدى، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق، فلم يبق للمجادلة محل، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة، والمحق والمبطل، ولهذا قال: * (قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين) * وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي، وأن أعداءه هم الضالون المضلون. * (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب) * أي: لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك، ولا مستعدا له، ولا متصديا. * (إلا رحمة من ربك) * وبالعباد، فأرسلك بهذا الكتاب، الذي رحم به العالمين، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، وزكاهم، وعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه، علمت، أن جميع ما أمر به، ونهى عنه، رحمة، وفضل من الله. فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه، وتظن أن مخالفته، أصلح وأنفع. * (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) * أي: معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم. ومن جملة مظاهرتهم، أن يقال في شيء منه، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة. * (ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذا أنزلت إليك) * بل أبلغها وأنفذها، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها، ولا تتبع أهواءهم. * (وادع إلى ربك) * أي: اجعل الدعوة إلى ربك، منتهى قصدك وغاية عملك. فكل ما خالف ذلك، فارفضه، من رياء، أو سمعة، أو موافقة أغراض أهل الباطل، فإن ذلك داع إلى الكون معهم، ومساعدتهم على أمرهم ولهذا قال: * (ولا تكونن من المشركين) * لا في شركهم، ولا في فروعه وشعبه، التي هي جميع المعاصي.
(٦٢٥)