تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦١٠
بآيات الله، وينقادون لها بأعمالهم، واستسلامهم كما قال تعالى: * (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) *. * (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) * أي: إذا وقع على الناس، القول الذي حتمه الله، وفرض وقته. * (أخرجنا لهم دابة) * خارجة * (من الأرض) * أو دابة من دواب الأرض، ليست من السماء. وهذه الدابة * (تكلمهم) * أي: تكلم العباد أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، أي: لأجل أن الناس، ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله. فإظهار الله هذه الدابة، من آيات الله العجيبة، ليبين للناس، ما كانوا فيه يمترون. وهذا الدابة، هي الدابة المشهورة، التي تخرج في آخر الزمان، وتكون من أشراط الساعة، كما تكاثرت بذلك الأحاديث، لم يذكر الله ورسوله، كيفية هذه الدابة. وإنما ذكر أثرها والمقصود منها وأنها من آيات الله، تكلم الناس كلاما خارقا للعادة، حين يقع القول على الناس، وحين يمترون بآيات الله، فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين، وحجة على المعاندين. * (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون * حتى إذا جآءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون * ووقع القول بما ظلموا فهم لا ينطقون) * يخبر تعالى عن حالة المكذبين في موقف القيامة، وأن الله يجمعهم، ويحشر من كل أمة من الأمم فوجا وطائفة * (ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) *، يجمع أولهم على آخرهم، وآخرهم على أولهم، ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم. * (حتى إذا جاؤوا) * وحضروا، قال لهم، موبخا ومقرعا: * (أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها) * العلم، أي: الواجب عليكم التوقف، حتى ينكشف لكم الحق، وأن لا تتكلموا إلا بعلم. فكيف كذبتم بأمر لم تحيطوا به علما؟ * (أم ماذا كنتم تعملون) *، أي: يسألهم عن علمهم، وعن عملهم، فيجد علمهم، تكذيبا بالحق، وعملهم لغير الله، أو غير سنة رسولهم. * (ووقع القول عليهم بما ظلموا) *، أي: حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم، الذي استمروا عليه، وتوجهت عليهم الحجة. * (فهم لا ينطقون) *، لأنه لا حجة لهم. * (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * أي: ألم يشاهدوا الآية العظيمة، والنعمة الجسيمة، وهو تسخير الله لهم الليل والنهار. هذا بظلمته، ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب، ويستعدوا للعمل، وهذا بضيائه، لينتشروا فيه في معاشهم وتصرفاتهم. * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * بكمال وحدانية الله وسبوغ نعمته. * (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين * وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون * من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * يخوف الله عباده، ما أمامهم من يوم القيامة، وما فيه من المحن والكروب، ومزعجات القلوب، فقال: * (ويوم ينفخ في الصور ففزع) * بسبب النفخ فيه * (من في السماوات ومن في الأرض) * أي: انزعجوا وارتاعوا، وماج بعضهم ببعض، خوفا مما هو مقدمة له. * (إلا من شاء الله) * ممن أكرمه الله، وثبته، وحفظه من الفزع، * (وكل) * من الخلق عند النفخ في الصور * (أتوه داخرين) * صاغرين ذليلين. كما قال تعالى: * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) *. ففي ذلك اليوم، يتساوي الرؤساء والمرؤوسون، في الذل والخضوع، لمالك الملك. ومن هوله أنك * (ترى الجبال تحسبها جامدة) * لا تفقد شيئا منها، وتظنها باقية على الحال المعهودة، وهي قد بلغت منها الشدائد والأهوال كل مبلغ، وقد تفتت، ثم تضمحل، وتكون هباء منبثا. ولهذا قال: * (وهي تمر مر السحاب) * من خفتها، وشدة ذلك الخوف وذلك * (صنع الله الذي أتقن كل شيء، إنه خبير بما تفعلون) * فيجازيكم بأعمالكم. ثم بين كيفية جزائه فقال: * (من جاء بالحسنة) * يعم جنس الحسنات، قولية، أو فعلية، أو قلبية * (فله خير منها) * هذا أقل التفضيل.
(٦١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 605 606 607 608 609 610 611 620 621 622 623 ... » »»