ترجعون) * فيجازي كلا منكم بعمله، من خير وشر. * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إل ه غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إل ه غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) * هذا امتنان من الله على عباده، يدعوهم به إلى شكره، والقيام بعبوديته وحقه، أن جعل لهم من رحمته النهار ليبتغوا من فضل الله، وينتشروا لطلب أرزاقهم ومعايشهم في ضيائه. والليل ليهدؤوا فيه ويسكنوا، وتستريح أبدانهم وأنفسهم، من تعب التصرف في النهار، فهذا من فضله ورحمته بعباده. فهل أحد يقدر على شيء من ذلك؟ * (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون) * مواعظ الله وآياته، سماع فهم وقبول، وانقياد. و * (إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه، أفلا تبصرون) * مواقع العبر، ومواضع الآيات فتستنير في بصائركم، وتسلكوا الطريق المستقيم. وقال في الليل: * (أفلا تسمعون) * وفي النهار * (أفلا تبصرون) *. لأن سلطان السمع في الليل أبلغ من سلطان البصر، وعكسه النهار. وفي هذه الآيات، تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نعم الله عليه، ويستبصر فيها، ويقيسها بحال عدمها. فإنه إذا وازن بين حالة وجودها، وبين حالة عدمها، تنبه عقله لموضع المنة. بخلاف من جرى مع العوائد، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمرا، ولا يزال. وعمي قلبه عن الثناء على الله، بنعمه، ورؤية افتقاره إليه في كل وقت. فإن هذا، لا يحدث له فكرة شكر، ولا ذكر. * (ويوم يناديهم فيقول أين شركآئي الذين كنتم تزعمون * ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون) * أي: ويوم ينادي الله المشركين به، العادلين به غيره، الذين يزعمون أن له شركاء، يستحقون أن يعبدوا، وينفعون ويضرون. فإذا كان يوم القيامة وأراد الله أن يظهر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم لأنفسهم * (يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) * أي: بزعمهم، لا بنفس الأمر كما قال: * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن) *. فإن حضروا، هم وإياهم، نزع الله * (من كل أمة) * من الأمم الكاذبة * (شهيدا) * يشهد على ما جرى في الدنيا، من شركهم واعتقادهم، وهؤلاء بمنزلة المنتخبين. أي: انتخبنا من رؤساء المكذبين، من يتصدى للخصومة عنهم، والمجادلة عن إخوانهم، وهم على طريق واحد. فإذا برزوا للمحاكمة * (فقلنا هاتوا برهانكم) * أي: حجتكم ودليلكم، على صحة شرككم. هل أمرناكم بذلك؟ هل أمرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم أحد يستحق شيئا من الإلهية؟ هل ينفعونكم، أو يدفعون عنكم من عذاب الله، أو يغنون عنكم؟ فليفعلوا، إذا كان فيهم أهلية، وليروكم، إن كان لهم قدرة. * (فعلموا) * حينئذ، بطلان قولهم وفساده، و * (أن الحق لله) * تعالى. قد توجهت عليهم الخصومة، وانقطعت حجتهم، وأفلجت حجة الله. * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * من الكذب، والإفك، واضمحل، وتلاشى، وعدم. وعلموا أن الله قد عدل فيهم، حيث لم يضع العقوبة، إلا بمن استحقها، واستأهلها. * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيمآ آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاهآ إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون) * يخبر تعالى عن حالة قارون، وما فعل، وفعل به ونصح ووعظ، فقال: * (إن قارون كان من قوم موسى) * أي: من بني إسرائيل، الذين فضلوا على العالمين، وفاقوهم في زمانهم، وامتن الله عليهم بما امتن به، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة. ولكن قارون هذا، انحرف عن سبيل قومه * (فبغى عليهم) * وطغى، بما أوتيه من الأمور العظيمة المطغية. * (وآتيناه من الكنوز) * أي: كنوز الأموال شيئا كثيرا. * (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) * والعصبة، من العشرة إلى التسعة إلى السبعة، ونحو ذلك. أي: حتى إن مفاتح خزائن أمواله، تثقل الجماعة القوية عن حملها، هذه المفاتيح، فما ظنك بالخزائن؟ * (إذ قال له قومه) * ناصحين له محذرين له عن الطغيان: * (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) * أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن الله لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها. * (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) * أي: قد حصل عندك من وسائل الآخرة، ما ليس عند غيرك من الأموال فابتغ بها ما عند الله، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات. * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * أي: لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك، وتبقى ضائعا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك، استمتاعا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك. * (وأحسن) * (إلي عباد الله) * (كما أحسن الله إليك) * بهذه الأموال. * (ولا تبغ الفساد في الأرض) * بالتكبر، والعمل بمعاصي الله والاشتغال بالنعم عن المنعم. * (إن الله لا يحب المفسدين) * بل يعاقبهم على ذلك، أشد العقوبة. * (قال) * قارون رادا لنصيحتهم، كافرا بنعمة ربه: * (إنما
(٦٢٣)