وجعل بين البحرين حاجزا أإل ه مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) * أي: هل الأصنام والأوثان، الناقصة من كل وجه، التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع، خير؟ أم الله الذي * (جعل الأرض قرارا) * يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنى، والحرث، والبناء، والذهاب، والإياب. * (وجعل خلالها أنهارا) * أي: جعل في خلال الأرض، أنهارا ينتفع بها العباد، في زروعهم وأشجارهم، وشربهم، وشرب مواشيهم. * (وجعل لها رواسي) * أي: جبالا ترسيها وتثبتها، لئلا تميد، وتكون أوتادا لها، لئلا تضطرب. * (وجعل بين البحرين) * البحر المالح والبحر العذب * (حاجزا) * يمنع من اختلاطهما، فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما، بل جعل بينهما حاجزا من الأرض. جعل مجري الأنهار في الأرض مبعدة عن البحار، فتحصل منها مقاصدها ومصالحها. * (أإله مع الله) * فعل ذلك، حتى يعدل به الله ويشرك به معه. * (بل أكثرهم لا يعلمون) * فيشركون بالله، تقليدا لرؤسائهم وإلا فلوا علموا حق العلم، لم يشركوا به شيئا. * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم حلفآء الأرض أإل ه مع الله قليلا ما تذكرون) * أي: هل يجيب المضطرب، الذي أقلقته الكروب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص، مما هو فيه، إلا الله وحده؟. ومن يكشف السوء، أي: البلاء، والشر، والنقمة، إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض، يمكنكم منها، ويمد لكم بالرزق، ويوصل إليكم نعمه، وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم، ويأتي بقوم بعدكم، أإله مع الله، يفعل هذه الأفعال؟ لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك، حتى بإقراركم أيها المشركون، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر، دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده، المقتدر على دفعه وإزالته. * (قليلا ما تذكرون) * أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور، التي إذا تذكرتموها، ادكرتم، ورجعتم إلى الهدى. ولكن الغفلة والإعراض، شامل لكم، فلذلك ما أرعويتم، ولا اهتديتم. * (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإل ه مع الله تعالى الله عما يشركون) * أي: من هو الذي يهديكم، حين تكونون في ظلمات البر والبحر، حيث لا دليل، ولا معلم يرى، ولا وسيلة إلى النجاة إلا هدايته لكم، وتيسيره الطريق، وجعل ما جعل لكم من الأسباب، التي تهتدون بها. * (ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * أي: بين يدي المطر، فيرسلها، فتثير السحاب، ثم تؤلفه، ثم تجمعه، ثم تلقحه، ثم تدره، فيستبشر بذلك العباد، قبل نزول المطر. * (أإله مع الله) * فعل ذلك؟ أم هو وحده، الذي انفرد به؟ فلم أشركتم معه غيره، وعبدتم سواه؟ * (تعالى الله عما يشركون) * تعاظم، وتنزه وتقدس عن شركهم، وتسويتهم به غيره. * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإل ه مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * أي: من هو الذي يبدأ الخلق، وينشىء المخلوقات، ويبتدي خلقها، ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور؟ ومن يرزقكم من السماء والأرض، بالمطر والنبات؟ * (أإله مع الله) * يفعل ذلك، ويقدر عليه؟ * (قل هاتوا برهانكم) * أي: حجتكم ودليلكم على ما قلتم * (إن كنتم صادقين) * وإلا، فبتقدير أنكم تقولون: إن الأصنام لها مشاركة له، في شيء من ذلك، فذلك مجرد دعوى، صدقتموها بلا برهان، وإلا، فاعرفوا أنكم مبطلون، لا حجة لكم. فارجعوا إلى الأدلة اليقينية والبراهين القطعية الدالة على أن الله، هو المتفرد بجميع التصرفات وأنه المستحق أن يصرف له جميع أنواع العبادات. * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون * بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون * وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآبآؤنآ أإنا لمخرجون * لقد وعدنا ه ذا نحن وآبآؤنا من قبل إن ه ذآ إلا أساطير الأولين * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) * يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض، كقوله تعالى: * (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * وكقوله: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) * إلى آخر السورة. فهذه الغيوب ونحوها، اختص الله بعلمها، فلم يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل. وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك، المحيط علمه بالسرائر، والبواطن، والخفايا، فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ثم أخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالآخرة، منتقلا من شيء إلى ما هو أبلغ منه فقال: * (وما يشعرون) * أي: وما يدرون * (أيان يبعثون) * أي: متى البعث والنشور، والقيام من القبور، أي: فلذلك لم يستعدوا. * (بل ادارك علمهم في الآخرة) * أي: بل ضعف، ولم يكن يقينا، ولا علما واصلا إلى القلب، وهذا أقل، وأدنى درجة للعلم، ضعفه ووهاؤه، بل ليس عندهم علم قوي، ولا ضعيف، وإنما * (هم في شك منها) * أي: من الآخرة، والشك زال به العلم، لأن العلم بجميع مراتبه، لا يجامع الشك. * (بل هم منها) * أي: من الآخرة * (عمون) * قد عميت عنها بصائرهم. ولم يكن في قلوبهم علم من وقوعها، ولا احتمال، بل أنكروها واستبعدوها. ولهذا قال: * (وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإننا لمخرجون) * أي: هذا بعيد، غير ممكن، قاسوا قدرة كامل القدرة، بقدرتهم الضعيفة. * (لقد وعدنا هذا) * أي: البعث * (نحن وآباؤنا من قبل) * أي:
(٦٠٨)