لقومه داعيا إلى الله، وناصحا: * (أتأتون الفاحشة) * أي: الفعلة الشنعاء، التي تستفحشها العقول والفطر، وتستقبحها الشرائع * (وأنتم تبصرون) * ذلك، وتعلمون قبحه، فعاندتم، وارتكبتم ذلك، ظلما منكم، وجرأة على الله. ثم فسر تلك الفاحشة فقال: * (أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) *، أي: كيف توصلتم إلى هذه الحال، فصارت شهوتكم للرجال، وأدبارهم، محل الغائط والنجو، والخبث، وتركتم ما خلق الله لكم، من النساء، من المحال الطيبة، التي جبلت النفوس على الميل إليها. وأنتم انقلب عليكم الأمر، فاستحسنتم القبيح، واستقبحتم الحسن، * (بل أنتم قوم تجهلون) * متجاوزون لحدود الله، متجرؤون على محارمه. * (فما كان جواب قومه) * قبول ولا انزجار، ولا تذكر، وادكار. إنما كان جوابهم، المعارضة، والمناقضة، والتوعد لنبيهم الناصح، ورسولهم الأمين، بالإجلاء عن وطنه، والتشريد عن بلده. فما كان جواب قومه * (إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم) *. فكأنه قيل: ما نقمتم منهم، وما ذنبهم الذي أوجب له الإخراج. فقالوا: * (إنهم أناس يتطهرون) * أي: يتنزهون عن اللواط، وأدبار الذكور. فقبحهم الله، جعلوا أفضل الحسنات، بمنزلة أقبح السيئات. ولم يكتفوا بمعصيتهم نبيهم، وفيما وعظهم به، حتى وصلوا إلى إخراجه والبلاء موكل بالمنطق، فهم قالوا: * (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) *. ومفهوم هذا الكلام (وأنتم متلوثون بالخبث والقذارة، المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم، ونجاة من خرج منها). ولهذا قال تعالى: * (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين) *، وذلك لما جاءته الملائكة في صورة أضياف، وسمع بهم قومه، فجاؤوا إليه يريدونهم بالشر، وأغلق الباب دونهم، واشتد الأمر عليه. ثم أخبرته الملائكة عن جلية الحال، وأنهم جاءوا لاستنقاذه، من بين أظهرهم، وأنهم يريدون إهلاكهم، وأن موعدهم الصبح. وأمروه أن يسري بأهله ليلا، إلا امرأته، فإنه سيصيبها ما أصابهم فخرج بأهله ليلا، فنجوا، وصبحهم العذاب. فقلب الله عليهم ديارهم، وجعل أعلاها أسفلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك. ولهذا قال هنا: * (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) *، أي: بئس المطر مطرهم، وبئس العذاب عذابهم، لأنهم أنذروا وخوفوا، فلم ينزجروا، ولم يرتدعوا، فأحل الله بهم، عقابه الشديد. * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفىءآلله خير أما يشركون) * أي: قل * (الحمد لله) * الذي يستحق كمال الحمد، والمدح والثناء، لكمال أوصافه، وجميل معروفه، وهباته، وعدله، وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين. وسلم أيضا على عباده، الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين، من الأنبياء والمرسلين، وصفوة الله رب العالمين. وذلك لرفع ذكرهم، وتنويها بقدرهم، وسلامتهم من الشر والأدناس وسلامة ما قالوه في ربهم، من النقائص والعيوب. * (والله خير أما يشركون) * وهذا استفهام قد تقرر وعرف. أي: الله الرب العظيم، كامل الأوصاف، عظيم الألطاف، خير أم الأصنام والأوثان، التي عبدوها معه، وهي ناقصة من كل وجه، لا تنفع ولا تضر، ولا تملك لأنفسها، ولا لعابديها، مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون. * (أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدآئق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإل ه مع الله بل هم قوم يعدلون) * ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف، ويتبين أنه الإله المعبود، أن عبادته هي الحق، وعبادة ما سواه، هي الباطل فقال: * (أم من خلق السماوات) * إلى * (يعدلون) *. أي: أمن خلق السماوات، وما فيها، من الشمس والقمر ، والنجوم، والملائكة، والأرض، وما فيها من جبال، وبحار، وأنهار، وأشجار، وغير ذلك. * (وأنزل لكم) * أي: لأجلكم * (من السماء ماء فأنبتنا به حدائق) * أي: بساتين * (ذات بهجة) * أي: حسن منظر، من كثرة أشجارها، وتنوعها، وحسن ثمارها. * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * لولا منة الله عليكم، بإنزال المطر. * (أإله مع الله) * فعل هذه الأفعال، حتى يعبد معه ويشرك به؟. * (بل هم قوم يعدلون) * به غيره، ويسوون به سواه، مع علمهم أنه وحده، خالق العالم العلوي والسفلي، ومنزل الرزق. * (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالهآ أنهارا وجعل لها رواسي
(٦٠٧)