ويغضبه، من الكفر والمعاصي. * (إني لكم رسول أمين) * يترتب على ذلك، أن تتقوا الله تطيعونني. وكانوا مع شركهم يبخسون المكاييل والموازين، فلذلك قال لهم: * (أوفوا الكيل) * أي: أتموه وأكملوه * (ولا تكونوا من المخسرين) * الذين ينقصون الناس أموالهم ويسلبونها، ببخس المكيال والميزان. * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * أي: بالميزان العادل، الذي لا يميل. * (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) * أي: الخليقة الأولين، فكما انفرد بخلقكم، وخلق من قبلكم من غير مشاركة له في ذلك، فأفردوه بالعبادة والتوحيد، وكما أنعم عليكم بالإيجاد والإمداد بالنعم، فقابلوه بشكره. قالوا له، مكذبين له، رادين لقوله: * (إنما أنت من المسحرين) * فأنت تهذي وتتكلم كلام المسحور، الذي غايته، أن لا يؤاخذ به. * (وما أنت إلا بشر مثلنا) * فليس فيك فضيلة، اختصصت بها علينا، حتى تدعونا إلى اتباعك. وهذا مثل قول من قبلهم ومن بعدهم، ممن عارضوا الرسل بهذه الشبهة التي لم يزالوا، يدلون بها ويصولون، ويتفقون عليها، لاتفاقهم على الكفر، وتشابه قلوبهم. وقد أجابت عنها الرسل بقولهم: * (إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) *. * (وإن نظنك لمن الكاذبين) * وهذا جراءة منهم وظلم، وقول زور، قد انطووا على خلافه. فإنه ما من رسول من الرسل، واجه قومه ودعاهم، وجادلهم وجادلوه، إلا وقد أظهر الله على يديه من الآيات، ما به يتيقنون صدقه وأمانته، خصوصا شعيبا عليه السلام، الذي يسمى خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه، ومجادلتهم بالتي هي أحسن. فإن قومه قد تيقنوا صدقه، وأن ما جاء به حق، ولكن إخبارهم عن ظن كذبه، كذب منهم. * (فأسقط علينا كسفا من السماء) * أي: قطع عذاب تستأصلنا. * (إن كنت من الصادقين) * كقول إخوانهم * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) *، أو أنهم طلبوا بعض آيات الاقتراح، التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها. * (قال) * شعيب عليه السلام: * (ربي أعلم بما تعملون) * أي: نزول العذاب، ووقوع آيات الاقتراح، لست أنا الذي آتي بها وأنزلها بكم، وليس علي إلا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت، وإنما الذي يأتي بها، ربي العالم بأعمالكم وأحوالكم، الذي يجازيكم ويحاسبكم. * (فكذبوه) * أي: صار التكذيب لهم، وصفا والكفر لهم ديدنا، بحيث لا تفيدهم الآيات، وليس بهم حيلة إلا نزول العذاب. * (فأخذهم عذاب يوم الظلمة) * أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين، لظلها غير الظليل، فأحرقهم بالعذاب، فظلوا تحتها خامدين، ولديارهم مفارقين، وبدار الشقاء والعذاب نازلين. * (إنه كان عذاب يوم عظيم) * لا كرة لهم إلى الدنيا، فيستأنفوا العمل ولا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا هم ينظرون. * (إن في ذلك لآية) * دالة على صدق شعيب، وصحة ما دعا إليه، وبطلان رد قومه عليه. * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * مع رؤيتهم الآيات، لأنهم لا زكاء فيهم، ولا خير لديهم * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) *. * (وإن ربك لهو العزيز) * الذي امتنع بقدرته، عن إدراك أحد، وقهر كل مخلوق. * (الرحيم) * الذي، الرحمة وصفه ومن آثارها، جميع الخيرات في الدنيا والآخرة، من حين أوجد الله العالم إلى ما لا نهاية له. ومن عزته، أن أهلك أعداءه حين كذبوا رسله، ومن رحمته، أن نجى أولياء ومن معهم من المؤمنين. * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون) * لما ذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وكيف دعوهم، وما ردوا عليهم به، وكيف أهلك الله أعداءهم، وصارت لهم العاقبة. ذكر هذا الرسول الكريم، والنبي المصطفى العظيم وما جاء به من الكتاب، الذي فيه هداية لأولي الألباب فقال: * (وإنه لتنزيل رب العالمين) * فالذي أنزله، فاطر الأرض والسماوات، المربي جميع العالم، العلوي والسفلي، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم، فإنه يربيهم أيضا، بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم. ومن أعظم ما رباهم به، إنزال هذا الكتاب الكريم، الذي
(٥٩٧)