تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٩٦
مؤمنين) * مع وجود الآيات المقتضية للإيمان. * (وإن ربك لهو العزيز) * الذي أهلك بقدرته قوم هود، على قوتهم وبطشهم. * (الرحيم) * بنبيه هود، حيث نجاه ومن معه من المؤمنين. * (كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * ومآ أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما هاهنآ آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين * قال ه ذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * * (كذبت ثمود) * القبيلة المعروفة في مدائن الحجر * (المرسلين) * كذبوا صالحا عليه السلام، الذي جاء بالتوحيد، الذي دعت إليه المرسلون، فكان تكذيبهم له، تكذيبا للجميع. * (إذ قال أخوهم صالح) * في النسب، برفق ولين: * (ألا تتقون) * الله تعالى، وتدعون الشرك والمعاصي. * (إني لكم رسول) *، من الله ربكم أرسلني إليكم، لطفا بكم ورحمة، فتلقوا رحمته بالقبول، وقابلوها بالإذعان. * (أمين) * تعرفون ذلك مني، وذلك يوجب عليكم أن تؤمنوا بي، وبما جئت به. * (وما أسألكم عليه من أجر) * فتقولون: يمنعنا من اتباعك، أنك تريد أخذ أموالنا. * (إن أجري إلا على رب العالمين) * أي: لا أطلب الثواب إلا منه. * (أتتركون في ما ههنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم) * أي: نضيد كثير. أي: أتحسبون أنكم تتركون في هذه الخيرات، والنعم سدى، تنعمون وتتمتعون، كما تتمتع الأنعام، وتتركون سدى، لا تؤمرون، ولا تنهون وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله. * (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) * أي: بلغت بكم الفراهة والحذق إلى أن اتخذتم بيوتا من الجبال الصم الصلاب. * (فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين) * الذين تجاوزوا الحد. * (الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * أي: الذين وصفهم وداؤهم، الإفساد في الأرض، بعمل المعاصي، والدعوة إليها، إفسادا لا إصلاح فيه، وهذا أضر ما يكون لأنه شر محض. وكان أناسا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم، موضعون في الدعوة لسبيل الغي، فنهاهم صالح، عن الاغترار بهم. ولعلهم الذين قال الله فيهم: * (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * فلم يفد فيهم هذا النهي والوعظ شيئا، فقالوا لصالح: * (إنما أنت من المسحرين) * أي: قد سحرت، فأنت تهذي، بما لا معنى له. * (ما أنت إلا بشر مثلنا) * فأي: فضيلة فقتنا بها، حتى تدعونا إلى اتباعك؟ * (فأت بآية إن كنت من الصادقين) * هذا، مع أن مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا إليه، من أكبر الآيات البينات على صحة ما جاء به وصدقه، ولكنهم من قسوتهم، سألوا آيات الاقتراح، التي في الغالب، لا يفلح من طلبها، لكون طلبه مبنيا على التعنت، لا على الاسترشاد. فقال صالح: * (هذه ناقة) * تخرج من صخرة صماء ملساء تابعنا في هذا كثير من المفسرين، ولا مانع في ذلك ترونها وتشاهدونها بأجمعكم، * (لها شرب ولكم رب يوم معلوم) * أي: تشرب ماء البئر يوما، وأنتم تشربون لبنها، ثم تصدر عنكم اليوم الآخر، وتشربون أنتم ماء البئر. * (ولا تمسوها بسوء) * بعقر أو غيره * (فيأخذكم عذاب يوم عظيم) * فخرجت واستمرت عندهم بتلك الحال، فلم يؤمنوا، واستمروا على طغيانهم. * (فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب) * وهي صيحة نزلت عليهم، فدمرتهم أجمعين. * (إن في ذلك لآية) * على صدق ما جاءت به رسلنا، وبطلان قول معارضيهم. * (وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *. * (كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * ومآ أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون * قالوا لئن لم تنته يلوط لتكونن من المخرجين * قال إني لعملكم من القالين * رب نجني وأهلي مما يعملون * فنجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا فسآء مطر المنذرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * قال لهم وقالوا، كما قال من قبلهم، تشابهت قلوبهم في الكفر، فتشابهت أقوالهم. وكانوا مع شركهم يأتون فاحشة، لم يسبقهم إليها أحد من العالمين. يختارون نكاح الذكران، المستقذر الخبيث، ويرغبون عما خلق لهم من أزواجهم لإسرافهم وعدوانهم فلم يزل ينهاهم حتى * (قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) * أي: من البلد، فلما رأى استمرارهم عليه * (قال إني لعملكم من القالين) * أي: المبغضين الناهين عن المحذرين منه. قال: * (رب نجني وأهلي مما يعملون) * من فعله وعقوبته فاستجاب الله له. * (فنجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين) * أي: الباقين في العذاب، وهي امرأته. * (ثم دمرنا الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا) * أي: حجارة من سجيل * (فساء مطر المنذرين) * أهلكهم الله عن آخرهم. * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *. * (كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * ومآ أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم * ولا تبخسوا الناس أشيآءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين * قالوا إنما أنت من المسحرين * ومآ أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين * قال ربي أعلم بما تعملون * فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * أصحاب الأيكة: أي: البساتين الملتفة الأشجار، وهم أصحاب مدين، فكذبوا نبيهم شعيبا، الذي جاء بما جاء به المرسلون. * (إذ قال لهم شعيب ألا تتقون) * الله تعالى، فتتركون ما يسخطه
(٥٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 ... » »»