تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٩١
ثعبان) * أي: ذكر الحيات، * (مبين) * ظاهر لكل أحد، لا خيال، ولا تشبيه. * (ونزع يده) * من جيبه * (فإذا هي بيضاء للناظرين) * أي: له نور عظيم، لا نقص فيه لمن نظر إليها. * (قال) * (فرعون) * (للملأ حوله) * معارضا للحق، ومن جاء به. * (إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم) * موه عليهم لعلمه بضعف عقولهم، أن هذا من جنس ما يأتي به السحرة، لأنه من المتقرر عندهم، أن السحرة يأتون من العجائب، بما لا يقدر عليه الناس، وخوفهم أن قصده بهذا السحر، التوصل إلى إخراجهم من وطنهم، ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد إجلاءهم عن أولادهم وديارهم، * (فماذا تأمرون) * أن نفعل به؟ * (قالوا أرجه وأخاه) * أي: أخرهما * (وابعث في المدائن حاشرين) * جامعين للناس. * (يأتوك بكل سحار عليم) * أي: ابعث في جميع مدنك، التي هي مقر العلم، ومعدن السحر، من يجمع لك كل ساحر ماهر، عليم في سحره فإن الساحر يقاتل بسحر من جنس سحره. وهذا من لطف الله أن يرى العباد، بطلان ما موه به فرعون الجاهل، الضال، المضل أن ما جاء به موسى سحر، قيضهم أن جمعوا أهل المهارة بالسحر، لينعقد المجلس عن حضرة الخلق العظيم، فيظهر الحق على الباطل، ويقر أهل العلم وأهل الصناعة، بصحة ما جاء به موسى، وأنه ليس بسحر. فعمل فرعون برأيهم، فأرسل في المدائن، من يجمع السحرة، واجتهد في ذلك، وجد. * (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) * قد واعدهم إياه موسى، وهو يوم الزينة، الذي يتفرغون فيه من أشغالهم. * (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) * أي: نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم الموعود. * (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) * أي: قالوا للناس: اجتمعوا لتنظروا غلبة السحرة لموسى، وأنهم ماهرون في صناعتهم، فنتبعهم، ونعظمهم، ونعرف فضيلة علم السحر، فلو وفقوا للحق، لقالوا، لعلنا نتبع المحق منهم، ولنعرف الصواب، فلذلك ما أفاد فيهم ذلك، إلا قيام الحجة عليهم. * (فلما جاء السحرة) * ووصلوا لفرعون قالوا له: * (أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) * (لموسى) * (قال نعم) * لكم أجر، وثواب * (وإنكم إذن لمن المقربين) * عندي، وعدهم الأجر والقربة منه، ليزداد نشاطهم، ويأتوا بكل مقدورهم، في معارضة ما جاء به موسى. فلما اجتمعوا للموعد، هم وموسى، وأهل مصر، وعظهم موسى وذكرهم وقال: * (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) * فتنازعوا وتخاصموا ثم شجعهم فرعون، وشجع بعضهم بعضا. * (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) * أي: ألقوا كل ما في خواطركم إلقاؤه، ولم يقيدهم بشيء دون شيء، لجزمه ببطلان ما جاؤوا به من معارضة الحق. * (فألقوا حبالهم وعصيهم) * فإذا هي حيات تسعى، وسحروا بذلك أعين الناس. * (وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) * فاستعانوا بعزة عبد ضعيف، عاجز من كل وجه، إلا أنه قد تجبر، وحل على صورة ملك وجنود، فغرتهم تلك الأبهة، ولم تنفذ بصائرهم إلى حقيقة الأمر، أو أن هذا قسم منهم بعزة فرعون والمقسم عليه، أنهم غالبون. * (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف) * تبتلع وتأخذ * (ما يأفكون) * فالتقفت، جميع ما ألقوا، من الحبال والعصي، لأنها إفك، وكذب، وزور وذلك كله، باطل لا يقوم للحق، ولا يقاومه. فلما رأى السحرة هذه الآية العظيمة، تيقنوا لعلمهم أن هذا ليس بسحر، وإنما هو آية من آيات الله، ومعجزة تنبىء بصدق موسى، وصحة ما جاء به. * (فألقي السحرة ساجدين) * (لربهم) * (قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) *. وانقمع الباطل، في ذلك المجمع، وأقر رؤساؤه ببطلانه، ووضح الحق، وظهر حتى رأى ذلك الناظرون بأبصارهم. ولكن أبى فرعون، إلا عتوا وضلالا، وتماديا في غيه وعنادا. فقال للسحرة: * (آأمنتم له قبل أن آذن لكم) * يتعجب، ويعجب قومه من جراءتهم عليه، وإقدامهم على الإيمان من غير إذنه ومؤامرته. * (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) *. هذا، وهو الذي جمع السحرة، وملأه، الذين أشاروا عليه بجمعهم من مدائنهم. وقد علموا أنهم ما اجتمعوا بموسى، ولا رأوه قبل ذلك، وأنهم جاؤوا من السحر، بما يحير الناظرين، ويهيلهم، ومع ذلك، فراج عليهم هذا القول، الذي هم بأنفسهم، وقفوا على بطلانه، فلا يستنكر على أهل هذه العقول، أن لا يؤمنوا بالحق الواضح، والآيات الباهرة، لأنهم لو قال لهم فرعون عن أي شيء كان، إنه على خلاف حقيقته، صدقوه. ثم توعد السحرة فقال: * (لأقطعن أيديكم، وأرجلكم من خلاف) * أي: اليد اليمنى، والرجل اليسرى، كما يفعل بالمفسد في الأرض.
(٥٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 ... » »»