حسب ما يعقل القلب منها. * (والذين هم عن اللغو) * وهو الكلام الذي لا خير فيه، ولا فائدة. * (معرضون) * رغبة عنه، وتنزيها لأنفسهم، وترفعا عنه، وإذا مروا باللغو، مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم، من باب أولى، وأحرى. وإذا ملك العبد لسانه وخزنه إلا في الخير كان مالكا لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا). فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كف ألسنتهم، عن اللغو والمحرمات. * (والذين هم للزكاة فاعلون) * أي: مؤدون لزكاة أموالهم، على اختلاف أجناس الأموال، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوىء الأعمال التي تزكو النفوس بتركها وتجنبها، فأحسنوا في عبادة الخالق، في الخشوع في الصلاة، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة. * (والذين هم لفروجهم حافظون) * عن الزنا، ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم عن كل أحد * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * من الإماء المملوكات * (فإنهم غير ملومين) * بقربهما، لأن الله تعالى أحلهما. * (فمن ابتغى وراء ذلك) * غير الزوجة والسرية * (فأولئك هم العادون) * الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه، المتجرؤون على محارم الله. وعموم هذه الآية، يدل على تحريم المتعة، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها، ولا مملوكة، وتحريم نكاح المحلل لذلك. ويدل قوله: * (أو ما ملكت أيمانهم) * أنه يشترط في حل المملوكة، أن تكون كلها في ملكه، فلو كان له بعضها لم تحل، لأنها ليست مما ملكت يمينه، بل هي ملك له ولغيره، فكما أنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان، فلا يجوز أن يشترك في الأمة المملوكة سيدان. * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) *، أي: مراعون لها، ضابطون، حافظون، حريصون على القيام بها وتنفيذها. وهذا عام في جميع الأمانات، التي هي حق لله، والتي هي حق للعباد. قال تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) *، فجميع ما أوجبه الله على عبده، أمانة، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك، أمانات الآدميين، كأمانات الأموال، والأسرار، ونحوهما. فعلى العبد، مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) *، وكذلك العهد، يشمل العهد الذي بينهم وبين العباد، وهي الالتزامات والعقود، التي يعقدها العبد، فعليه مراعاتها والوفاء بها، ويحرم عليه، التفريط فيها، وإهمالها. * (والذين هم على صلواتهم يحافظون) * أي: يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها، فمدحهم بالخشوع في الصلاة، وبالمحافظة عليها، لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين: فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع، أو على الخشوع من دون محافظة عليها، فإنه مذموم ناقص. * (أولئك) * الموصوفون بتلك الصفات * (هم الوارثون الذين يرثون الفردوس) * الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها، لأنهم حلوا من صفات الخير أعلاها وذروتها، أو المراد بذلك، جميع الجنة، ليدخل بذلك، عموم المؤمنين، على درجاتهم في مراتبهم، كل بحسب حاله. * (هم فيها خالدون) * لا يظعنون عنها، ولا يبغون عنها حولا، لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله، وأتمه، من غير مكدر ولا منغص. * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * ذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته، من ابتداء خلقه إلى آخر ما يصير إليه، فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليه السلام، وأنه * (من سلالة من طين) * أي: قد سلت، وأخذت من جميع الأرض، ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض: منهم الطيب والخبيث، وبين ذلك، والسهل، والحزن، وبين ذلك. * (ثم جعلناه) * أي: جنس الآدميين * (نطفة) * تخرج من بين الصلب والترائب، فتستقر * (في قرار مكين) * وهو: الرحم محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك. * (ثم خلقنا النطفة) * التي قد استقرت قبل * (علقة) * أي: دما أحمر،
(٥٤٨)