لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان قال يآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصىءادم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) * ثم ذكر تفصيل ما أجمله فقال: * (وإذ قلنا) * (إلي) * (فتاب عليه وهدى) *. أي: لما أكمل خلق آدم بيده، وعلمه الأسماء، وفضله، وكرمه، أمر الملائكة بالسجود له، إكراما، وتعظيما، وإجلالا، فبادروا بالسجود ممتثلين، وكان بينهم إبليس، فاستكبر عن أمر ربه، وامتنع من السجود لآدم وقال: * (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) * فتبينت حينئذ، عداوته البليغة لآدم وزوجه، لما كان عدو الله، وظهر من حسده، ما كان سبب العداوة، فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال: * (لا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * إذا أخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهني والراحة التامة. * (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) * أي: تصيبك الشمس بحرها، فضمن له، استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب. ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال: * (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) *، فلم يزل الشيطان يوسوس لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول: * (هل أدلك على شجرة الخلد) * أي: التي من أكل منها خلد في الجنة. * (وملك لا يبلى) * أي: لا ينقطع، إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، فأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكل منهما سوأة الآخر، بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة، ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل، ما الله به عليم. * (وعصى أدم ربه فغوى) * فبادرا إلى التوبة والإنابة، وقالا: * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *، فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة * (فتاب عليه وهدى) * فكان بعد التوبة، أحسن منه قبلها، ورجع كيد العدو عليه، وبطل مكره، فتمت النعمة عليه، وعلى ذريته، ووجب عليهم القيام بها، والاعتراف، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم، ليلا ونهارا * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) * أي: ينزع عنهما لباسهما، ليريهما سوءاتهما، * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) *. * (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) * يخبر تعالى، أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض، وأن يتخذ آدم وبنوه الشيطان عدوا لهم، فيأخذوا الحذر منه، ويعدوا له عدته ويحاربوه، وأنه سينزل عليهم كتبا، ويرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه وإلى جنته، ويحذرونهم من هذا العدو المبين، وأنهم أي وقت جاءهم ذلك الهدى، الذي هو: الكتب والرسل، فإن من اتبعه، اتبع ما أمر به، واجتنب ما نهى عنه، فإنه لا يضل في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا يشقى فيهما، بل قد هدي إلى صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة، وله السعادة والأمن في الآخرة. وقد نفى عنه الخوف والحزن في آية أخرى بقوله: * (فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *. واتباع الهدى، بتصديق الخبر، وعدم معارضته بالشبه، وامتثال الأمر بأن لا يعارضه بشهوة. * (ومن أعرض عن ذكري) * أي: كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له، والكفر به * (فإن له معيشة ضنكا) * أي: فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا. وفسرت المعيشة الضنك، بعذاب القبر، وأنه يضيق عليه قبره، ويحصر فيه، ويعذب، جزاء لإعراضه عن ذكر ربه، وهذه إحدى الآيات الدالة على عذاب القبر. والثانية قوله تعالى: * (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم) * الآية. والثالثة قوله: * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) *. والرابعة قوله عن آل فرعون * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) * الآية. والذي أوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف، وقصرها على ذلك والله أعلم آخر الآية،
(٥١٥)