تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥١٢
على بعض الأشياء، من النفع والدفع، بإقدار الله لهم. * (ولقد قال لهم هارون من قبل يقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحم ن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى * قال يهرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * ألا تتبعن أفعصيت أمري * قال يابنأم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرآئيل ولم ترقب قولي) * أي: إنهم باتخاذهم العجل، ليسوا معذورين فيه، فإنه، وإن كنت عرضت لهم الشبهة في أصل عبادته، فإن هارون قد نهاهم عنه، وأخبرهم أنه فتنة، وأن ربهم الرحمن، الذي منه النعم الظاهرة والباطنة، الدافع للنقم. وأنه أمرهم أن يتبعوه، ويعتزلوا العجل، فأبوا وقالوا: * (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) *. فأقبل موسى على أخيه لائما وقال: * (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن) * فتخبرني لأبادر للرجوع إليهم؟ * (أفعصيت أمري) * في قولي: * (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) *. فأخذ موسى برأس هارون ولحيته، يجره من الغضب والعتب عليه، فقال هارون: * (يا ابن أم) * ترقيق له، وإلا فهو شقيقه * (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) *. فإنك أمرتني أن أخلفك فيهم، فلو تبعتك، لتركت ما أمرتني بلزومه وخشيت لائمتك، و * (أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) * حيث تركتهم، وليس عندهم راع ولا خليفة، فإن هذا يفرقهم ويشتت شملهم، فلا تجعلني مع القوم الظالمين، ولا تشمت فينا الأعداء. فندم موسى على ما صنع بأخيه، وهو غير مستحق لذلك ف * (قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) *. * (قال فما خطبك يسامري * قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إل هك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا * إنما إل هكم الله الذي لا إل ه إلا هو وسع كل شيء علما) * ثم أقبل على السامري، ف * (قال فما خطبك يا سامري) * إلى * (في اليم نسفا) *. أي: ما شأنك يا سامري، حيث فعلت ما فعلت؟ فقال: * (بصرت بما لم يبصروا به) * وهو جبريل عليه السلام، على فرس رآه وقت خروجهم من البحر، وغرق فرعون وجنوده على ما قاله المفسرون، فقبضت قبضة من أثر حافر فرسه، فنبذتها على العجل. * (وكذلك سولت لي نفسي) * أن أقبضها، ثم أنبذها، فكان ما كان. فقال له موسى: * (فاذهب) * أي: تباعد عني واستأخر مني * (فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) * أي: تعاقب في الحياة عقوبة، لا يدنو منك أحد، ولا يمسك أحد، حتى إن من أراد القرب منك، قلت: لا تمسني، ولا تقرب مني، عقوبة على ذلك، حيث مس ما لم يمسه غيره، وأجرى ما لم يجره أحد. * (وإن لك موعدا لن تخلفه) * فتجازى بعملك، من خير وشر. * (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) * أي: العجل * (لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) * ففعل موسى ذلك. فلو كان إلها، لامتنع ممن يريده بأذى، ويسعى له بالإتلاف، وكان قد أشرب العجل في قلوب بني إسرائيل. فأراد موسى عليه السلام، إتلافه وهم ينظرون، على وجه لا تمكن إعادته وبالحراق والسحق ذريه في اليم، ونسفه، ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه، ولأن في إبقائه، محنة لأن في النفوس، أقوى داع إلى الباطل. فلما تبين لهم بطلانه، أخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له، فقال: * (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) *. أي: لا معبود إلا وجهه الكريم، فلا يؤله، ولا يحب، ولا يرجى ولا يخاف، ولا يدعى إلا هو لأنه الكامل الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، المحيط علمه، بجميع الأشياء، الذي ما من نعمة بالعباد، إلا منه، ولا يدفع السوء إلا هو. فلا إله إلا هو، ولا معبود سواه. * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا) * يمتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، بما قصه عليه من أنباء السابقين، وأخبار السالفين، كهذه القصة العظيمة، وما فيها من الأحكام وغيرها، التي لا ينكرها أحد من أهل الكتاب، فأنت لم تدرس أخبار الأولين، ولم تتعلم ممن دراها، فإخبارك بالحق اليقين من أخبارهم، دليل على أنك رسول الله حقا، وما جئت به صدق. ولهذا قال: * (وقد آتيناك من لدنا) * أي: عطية نفسية ومنحة جزيلة من عندنا. * (ذكرا) * وهو: هذا القرآن الكريم، ذكر للأخبار السابقة واللاحقة، وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الأسماء، والصفات الكاملة، ويتذكر به أحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء. وهذا مما يدل على أن القرآن مشتمل على أحسن ما يكون من الأحكام، التي تشهد العقول والفطر، بحسنها، وكمالها، ويذكر هذا القرآن ما أودع الله فيها. وإذا كان القرآن ذكرا للرسول ولأمته، فيجب تلقيه بالقبول والتسليم، والانقياد، والتعظيم، وأن يهتدى بنوره إلى الصراط المستقيم، وأن يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم. وأما مقابلته بالإعراض، أو ما هو أعم منه من الإنكار فإنه كفر لهذه النعمة، ومن فعل ذلك، فهو مستحق للعقوبة. ولهذا قال: * (من أعرض عنه) * فلم يؤمن به، أو تهاون بأوامره ونواهيه، أو يتعلم معانيه الواجبة * (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) * وهو ذنبه، الذي بسببه، أعرض عن القرآن وأولاه الكفر والهجران. * (خالدين فيه) * أي:
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»