تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥١٤
من أذن له الرحمن ورضي له قولا) * أي: لا يشفع أحد عنده من الخلق، إلا من أذن له في الشفاعة، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله، أي: شفاعته، من الأنبياء والمرسلين، وعبادة المقربين، فيمن ارتضى قوله، وهو المؤمن المخلص، فإذا اختل واحد من هذه الأمور، فلا سبيل لأحد إلى شفاعة من أحد. وينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين: ظالمين بكفرهم فهؤلاء، لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان. والقسم الثاني: من آمن الإيمان المأمور به، وعمل صالحا، من واجب ومسنون * (فلا يخاف ظلما) * أي: زيادة في سيئاته * (ولا هضما) * أي: نقصا من حسناته، بل تغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، * (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *. * (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) * أي: وكذلك أنزلنا هذا الكتاب، باللسان الفاضل العربي، الذي تفهمونه وتفقهونه، ولا يخفى عليكم لفظه، ولا معناه. * (وصرفنا فيه من الوعيد) * أي: نوعناها أنواعا كثيرة، تارة بذكر أسمائه الدالة على العدل والانتقام، وتارة بذكر المثلات التي أحلها بالأمم السابقة، وأمر أن تعتبر بها الأمم اللاحقة، وتارة بذكر آثار الذنوب، وما تكسبه من العيوب، وتارة بذكر أهوال القيامة، وما فيها من المزعجات، والمقلقات، وتارة، بذكر جهنم، وما فيها من أنواع العذاب، وأصناف العذاب، كل هذا، رحمة بالعباد، لعلهم يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي، ما يضرهم. * (أو يحدث لهم ذكرا) * فيعملون من الطاعات والخير، ما ينفعهم، فكونه عربيا، وكونه مصرفا فيه من الوعيد، أكبر سبب، وأعظم داع للتقوى، والعمل الصالح، فلو كان غير عربي أو غير مصرف فيه، لم يكن له هذا الأثر. * (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل إن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) * لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده، وحكمه الأمري الديني، الذي أنزل في الكتاب وكان هذا من آثار ملكه قال: * (فتعالى الله) * أي: جل وارتفع، وتقدس، عن كل نقص وآفة. * (الملك) * الذي الملك وصفه، والخلق كلهم، مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم. * (الحق) * أي: وجوده، وملكه، وكماله، حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة، إلا لذي الجلال، ومن ذلك: الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل، يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا. * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * أي: لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك، وقراءتك إياه. كما قال تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) *. ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم، على تلقف الوحي ومبادرته إليه، تدل على محبته التامة للعلم، وحرصه عليه، أمره تعالى أن يسأله زيادة العلم خير، فإن العلم خير، وكثرة الخير مطلوبة، وهي من الله، والطريق إليها، الاجتهاد، والشوق للعلم، وسؤال الله، والاستعانة به، والافتقار إليه في كل وقت. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم، ينبغي له أن يتأنى ويصبر، حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه، المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه، سأل، إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال، وقطع كلام ملقي العلم فإنه سبب للحرمان، وكذلك المسؤول، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود فيه قبل الجواب، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب. * (ولقد عهدنآ إلىءادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) * أي: ولقد وصينا آدم، وأمرناه، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به، فالتزمه، وأذعن له، وانقاد، وعزم على القيام به ومع ذلك، نسي ما أمر به، وانتقضت عزيمته المحكمة، فجرى عليه ما جرى، فصار عبرة لذريته، وصارت طبائعهم مثل طبيعة آدم، نسي فنسيت ذريته، وخطىء فخطئوا، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته، وأقر بها واعترف، فغفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم. * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يآدم إن ه ذا عدو
(٥١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 ... » »»