محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا يوم القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا، ليعلم من يقف عندها، ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا كما قال تعالى: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) *. * (ورزق ربك) * العاجل من العلم والإيمان، وحقائق الأعمال الصالحة، والآجل من النعيم المقيم، والعيش السليم في جوار الرب الرحيم * (خير) * مما متعنا به أزواجا، في ذاته وصفاته * (وأبقى) * لكونه لا ينقطع أكلها دائم وظلها كما قال تعالى: * (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) *. وفي هذه الآية، إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه، طموحا إلى زينة الدنيا، وإقبالا عليها، أن يذكر ما أمامها من رزق ربه، وأن يوازن بين هذا وهذا. * (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) * أي: حث أهلك على الصلاة وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة، ويفسدها، ويكملها. * (واصطبر عليها) * أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها، وأركانها، وخشوعها، فإن ذلك، مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه، أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها، كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه فقال: * (نحن نرزقك) * أي: رزقك علينا، قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق، كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟ ورزق الله عام للمتقي وغيره. فينبغي الاهتمام، بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: * (والعاقبة) * في الدنيا والآخرة * (للتقوى) * التي هي فعل المأمور وترك المنهي. فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى: * (والعاقبة للمتقين) *. * (وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى * ولو أنآ أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى * قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى) * أي: قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم: هلا يأتينا بآية من ربه؟ يعنون آيات الاقتراح كقولهم: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي الله والملائكة قبيلا) *. وهذا تعنت منهم، وعناد وظلم، فإنهم، هم والرسول، بشر عبيد لله، فلا يليق منهم الاقتراح، بحسب أهوائهم، وإنما الذي ينزلها، ويختار منها ما يختار بحسب حكمته، هو الله. ولما كان قولهم: * (لولا أنزل عليه آيات من ربه) * يقتضي أنه لم يأتهم بآية على صدقه، ولا بينة على حقه، وهذا كذب وافتراء، فإنه أتى من المعجزات الباهرات، والآيات القاهرات، ما يحصل ببعضه، المقصود. ولهذا قال: * (أو لم تأتهم) * إن كانوا صادقين في قولهم، وأنهم يطلبون الحق بدليله. * (بينة ما في الصحف الأولى) * أي: هذا القرآن العظيم، المصدق لما في الصحف الأولى، من التوراة والإنجيل، والكتب السابقة المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقه أيضا مذكور فيها، ومبشر بالرسول بها، وهذا كقوله تعالى: * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا إليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) *، فالآيات تنفع المؤمنين، ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم، وأما المعرضون عنها المعارضون لها، فلا يؤمنون بها، ولا ينتفعون بها، * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) *، وإنما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها، لتقوم عليهم حجة الله، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب: * (لولا أرسلت إلينا رسولا فتتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزي) * بالعقوبة، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني، فإن كنتم كما تقولون، فصدقوه. قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون * (قل كل متربص) * فتربصوا بي الموت، وأنا أتربص بكم العذاب * (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) * أي: الظفر أو الشهادة * (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو
(٥١٧)