وأن الله ذكر في آخرها عذاب يوم القيامة. وبعض المفسرين، يرى أن المعيشة الضنك، عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم، والغموم، والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها. * (ونحشره) * أي: هذا المعرض عن ذكر ربه * (يوم القيامة أعمى) * البصر على الصحيح، كما قال تعالى: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) *. قال على وجه الذل، والمراجعة، والتألم، والضجر من هذه الحالة * (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت) * في دار الدنيا * (بصيرا) * فما الذي صيرني إلى هذه الحالة البشعة. * (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها) * بإعراضك عنها * (وكذلك اليوم تنسى) * أي: تترك في العذاب. فأجيب، بأن هذا هو عين عملك، والجزاء، من جنس العمل، فكما عميت عن ذكر ربك، وغشيت عنه، ونسيته، ونسيت حظك منه، أعمى الله بصرك في الآخرة، فحشرت إلى النار أعمى، أصم، أبكم، وأعرض عنك، ونسيك في العذاب. * (وكذلك) * أي: هذا الجزاء * (نجزي) * ه * (من أسرف) * بأن تعدى الحدود، وارتكب المحارم وجاوز ما أذن له * (ولم يؤمن بآيات ربه) * الدالة على جميع مطالب الإيمان دلالة واضحة صريحة، فالله لم يظلمه ولم يضع العقوبة في غير محلها وإنما السبب إسرافه وعدم إيمانه. * (ولعذاب الآخرة أشد) * من عذاب الدنيا أضعافا مضاعفة * (وأبقى) *، لكونه لا ينقطع، بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع، فالواجب، الخوف والحذر من عذاب الآخرة. * (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى) * أي: أفلم يهد لهؤلاء المكذبين المعرضين، ويدلهم على سلوك طريق الرشاد، وتجنب طريق الغي والفساد، ما أحل الله بالمكذبين قبلهم، من القرون الخالية، والأمم المتتابعة، الذين يعرفون قصصهم، ويتناقلون أسمارهم، وينظرون بأعينهم، مساكنهم من بعدهم، كقوم هود، وصالح، ولوط وغيرهم، وأنهم لما كذبوا رسلنا، وأعرضوا عن كتبنا، أصبناهم بالعذاب الأليم؟ فما الذي يؤمن هؤلاء، أن يحل بهم، ما حل بأولئك؟ * (أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر) *، لا شيء من هذا كله فليس هؤلاء الكفار، خيرا من أولئك، حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم، بل هم شر منهم، لأنهم كفروا بأشرف الرسل، وخير الكتب، وليس لهم براءة مزبورة، وعهد عند الله، وليسوا كما يقولون، أن جمعهم ينفعهم، ويدفع عنهم، بل هم أذل وأحقر من ذلك. فإهلاك القرون الماضية بذنوبهم، أسباب الهداية، لكونها من الآيات الدالة على صحة رسالة الرسل، الذين جاؤوهم، وبطلان ما هم عليه ، ولكن ما كل أحد ينتفع بالآيات، إنما ينتفع بها، أولو النهى، أي: العقول السليمة، والفطر المستقيمة، والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي. * (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) * هذه تسلية للرسول، وتصبير له عن المبادرة إلى إهلاك المكذبين، المعرضين، وأن كفرهم وتكذيبهم، سبب صالح، لحلول العذاب بهم، ولزومه لهم، لأن الله جعل العقوبات، سببا وناشئا عن الذنوب، ملازما لها. وهؤلاء قد أتوا بالسبب، ولكن الذي أخره عنهم، كلمة ربك، المتضمنة لإمهالهم وتأخيرهم، وضرب الأجل المسمى، فالأجل المسمى ونفوذ كلمة الله، هو الذي أخر عنهم العقوبة إلى إبان وقتها، ولعلهم يراجعون أمر الله، فيتوب عليهم، ويرفع عنهم العقوبة، إذا لم تحق عليهم الكلمة. ولهذا أمر الله رسوله، بالصبر على أذيتهم بالقول، وأمره أن يتعوض عن ذلك، ويستعين عليه، بالتسبيح بحمد ربه، في هذه الأوقات الفاضلة، قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، وفي أطراف النهار، أوله وآخره، عموم بعد خصوص، وأوقات الليل وساعاته، ولعلك إن فعلت ذلك، ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل، وليطمئن قلبك، وتقر عينك بعبادة ربك، وتتسلى بها عن أذيتهم، فيخف حينئذ عليك الصبر. * (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) * أي: ولا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة. فإن ذلك كله، زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا، بأبصار المعرضين، ويتمتع بها بقطع النظر عن الآخرة القوم الظالمون. ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل
(٥١٦)