بأيدينا) *. * (فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي) * أي المستقيم. * (ومن اهتدى) * بسلوكه، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه، هو الفائز الراشد، الناجي المفلح، ومن حاد عنه فهو خاسر خائب معذب. وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة، وأعداؤه، بخلافه، والله أعلم. تم تفسير سورة طه ولله الحمد. سورة الأنبياء * (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل ه ذآ إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون * قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم) * هذا تعجب من حالة الناس، وأنهم لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة، والحال أنهم في غفلة معرضون أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم، ولهذا قال: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * يذكرهم ما ينفعهم، ويحثهم عليه وما يضرهم، ويرهبهم منه * (إلا استمعوه) * سماعا، تقوم عليهم به الحجة. * (وهم يلعبون * لاهية قلوبهم) *، أي: قلوبهم غافلة معرضة بمطالبها الدنيوية وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات، والعمل بالباطل، والأقوال الردية، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه، وتستمعه استماعا، تفقه المراد منه، وتسعى جوارحهم، في عبادة ربهم، التي خلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحساب، والجزاء منهم على بال، فبذلك يتم لهم أمرهم وتستقيم أحوالهم، وتزكو أعمالهم. وفي معنى قوله: * (اقترب للناس حسابهم) * قولان: أحدهما: أن هذه الأمة، هي آخر الأمم، ورسولها، آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، فقد قرب الحساب منها، بالنسبة لما قبلها، من الأمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين إصبعيه، السبابة والتي تليها). والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت، وأن من مات، قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض، لا يدري متى يفاجؤه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلهم إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده. ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون، على وجه العناد، ومقابلة الحق بالباطل، وأنهم تناجوا، وتواطؤوا فيما بينهم، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه، لكان قوله من جنس قوله، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم، ويرأس فيكم، فلا تطيعوه، ولا تصدقوه، وأنه ساحر، وما جاء به من شاف القرآن، سحر، فانفروا عنه، ونفروا الناس، وقولوا: * (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) * هذا، وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما يشاهدون من الآيات الباهرة، ما لم يشاهده غيرهم، ولكن حملهم على ذلك، الشقاء والظلم والعناد. والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه ولهذا قال: * (قال ربي يعلم القول) * الخفي والجلي * (في السماء والأرض) * أي: في جميع ما احتوت عليه أقطارهما * (وهو السميع) * لسائر الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات * (العليم) * بما في الضمائر، وأكنته السرائر. * (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون * ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناهآ أفهم يؤمنون) * يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من القرآن العظيم، وأنهم تقولوا فيه، وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة، فتارة يقولون: * (أضغاث أحلام) * بمنزلة كلام النائم الهادي، الذي لا يحس بما يقول، وتارة يقولون: * (افتراه) * واختلقه وتقوله من عند نفسه، وتارة يقولون: إنه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له أدنى معرفة بالواقع، من حالة الرسول، ونظر في هذا الذي جاء به، جزم جزما لا يقبل الشك. أنه أجل الكلام وأعلاه، وأنه من عند الله، وأن أحدا من البشر، لا يقدر على الإتيان بمثل بعضه، كما تحدى الله أعداءه بذلك، ليعارضوه مع توفر دواعيهم لمعارضته، وعداوته، فلم يقدروا على شيء من معارضته، وهم يعلمون ذلك، وإلا، فما الذي أقامهم، وأقعدهم؟ وأقض مضاجعهم، وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا يقوم له شيء؟ وإنما يقولون هذه الأقوال فيه، حيث لم يؤمنوا به، تنفيرا عنه لمن لم
(٥١٨)