تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٠١
لم يتخذوا عنده عهدا بالإيمان به وبرسله، وإلا، فمن اتخذ عنده عهدا فآمن به وبرسله، واتبعهم، فإنه ممن ارتضاه الله، وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * وسمى الله الإيمان به، واتباع رسله، عهدا، لأنه عهد في كتبه، وعلى ألسنة رسله، بالجزاء الجميل، لمن اتبعهم. * (وقالوا اتخذ الرحم ن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحم ن ولدا * وما ينبغي للرحم ن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحم ن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) * وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولدا كقول النصارى * (المسيح ابن الله) * واليهود * (عزير ابن الله) * والمشركين * (الملائكة بنات الله) * تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. * (لقد جئتم شيئا إدا) * أي: عظيما وخيما. من عظيم أمره أنه * (تكاد السماوات) * على عظمتها وصلابتها * (يتفطرن منه) * أي: من هذا القول * (وتنشق الأرض) * منه، تتصدع وتنفطر * (وتخر الجبال هدا) * أي: تندك الجبال. * (أن دعوا للرحمن ولدا) * أي: من أجل هذه الدعوى القبيحة، تكاد هذه المخلوقات، أن يكون منها ما ذكر والحال أنه: * (ما ينبغي) * أي: لا يليق ولا يكون * (للرحمن أن يتخذ ولدا) * وذلك لأن اتخاذه الولد، يدل على نقصه واحتياجه، وهو الغني الحميد. والولد أيضا، من جنس والده، والله تعالى، لا شبيه له، ولا مثل، ولا سمي. * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * أي: ذليلا منقادا، غير متعاص ولا ممتنع، الملائكة، والإنس، والجن وغيرهم. الجميع مماليك، متصرف فيهم ليس لهم من الملك شيء، ولا من التدبير شيء، فكيف يكون له ولد، وهذا شأنه وعظمة ملكه؟ * (لقد أحصاهم وعدهم عدا) * أي: لقد أحاط علمه بالخلائق كلهم، أهل السماوات والأرض، وأحصاهم، وأحصى أعمالهم، فلا يضل ولا ينسى، ولا تخفى عليه خافية. * (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) * أي: لا أولاد، ولا مال، ولا أنصار، ليس معه، إلا عمله، فيجازيه الله، ويوفيه حسابه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر كما قال تعالى: * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) *. * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحم ن ودا) * هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن يجعل لهم ودا أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم من الخيرات، والدعوات، والإرشاد، والقبول، والإمامة، ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح: (إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض). وإنما جعل الله لهم ودا، لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه. * (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) * يخبر تعالى عن نعمته، وأنه يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: يسر ألفاظه ومعانيه، ليحصل المقصود منه، والانتفاع به. * (لتبشر به المتقين) * بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة. * (وتنذر به قوما لدا) * أي: شديدين في باطلهم، أقوياء في كفرهم، فتنذرهم. فتقوم عليهم الحجة، وتتبين لهم المحجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. ثم توعدهم بإهلاك المكذبين قبلهم فقال: * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) * من قوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم من المعاندين المكذبين، لما استمروا في طغيانهم، أهلكهم الله فليس لهم من باقية. * (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) * والركز: الصوت الخفي، أي: لم يبق منهم عين ولا أثر، بل بقيت أخبارهم عبرة للمعتبرين، وأسمارهم، عظة للمتعظين. تم تفسير سورة مريم، ولله الحمد والشكر. سورة طه * (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى * الرحم ن على العرش استوى * له ما في
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»