تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٩٦
الشرع، دقه وجله. والنبوة، تقتضي إيحاء الله إليه وتخصيصه بإنزال الوحي إليه. فالنبوة بينه وبين ربه، والرسالة، بينه وبين الخلق، بل خصه الله من أنواع الوحي، بأجل أنواعه وأفضلها، وهو: تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى، وبهذا اختص من بين الأنبياء، بأنه كليم الرحمن، ولهذا قال: * (وناديناه من جانب الطور الأيمن) * أي: الأيمن من موسى في وقت مسيره، أو الأيمن أي: الأبرك من (اليمن) والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: * (أن بورك من في النار ومن حولها) *. * (وقربناه نجيا) * والفرق بين النداء والنجاء، أن النداء هو: الصوت الرفيع، والنجاء، ما دون ذلك. وفي هذا إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه، من النداء، والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكر ذلك، من الجهمية، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم. وقوله: * (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * هذا من أكبر فضائل موسى وإحسانه، ونصحه لأخيه هارون، أنه سأل ربه أن يشركه في أمره، وأن يجعله رسولا مثله، فاستجاب الله له ذلك، ووهب له من رحمته، أخاه هارون نبيا. فنبوة هارون، تابعة لنبوة موسى عليهما السلام، فساعده على أمره، وأعانه عليه. * (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله بالص لاة والزك اة وكان عند ربه مرضيا) * أي: واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب وأجلها، الذين منهم سيد ولد آدم. * (إنه كان صادق الوعد) * أي: لا يعد وعدا، إلا وفى به، وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد. ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له قال: * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * وفى بذلك ومكن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي هي أكبر منن الله على عبده، وجعله من الطبقة العليا من الخلق. * (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة) * أي: كان مقيما لأمر الله على أهله فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله لأنهم أحق بدعوته من غيرهم. * (وكان عند ربه مرضيا) * وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه، ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين، فرضي الله عنه، ورضي هو عن ربه. * (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) * أي: اذكر في الكتاب على وجه التعظيم والإجلال، والوصف بصفات الكمال. * (إدريس إنه كان صديقا نبيا) * جمع الله له بين الصديقية، الجامعة للتصديق التام، والعلم الكامل، واليقين الثابت، والعمل الصالح، وبين اصطفائه لوحيه، واختياره لرسالته. * (ورفعناه مكانا عليا) * أي: رفع الله ذكره في العالمين، ومنزلته بين المقربين، فكان عالي الذكر، عالي المنزلة. * (أول ئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينآ إذا تتلى عليهم آيات الرحم ن خروا سجدا وبكيا) * لما ذكر هؤلاء الأنبياء المكرمين، وخواص المرسلين، وذكر فضائلهم ومراتبهم فقال: * (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) *. أي: أنعم الله عليهم نعمة لا تلحق، ومنة لا تسبق، من النبوة والرسالة. وهم الذين أمرنا أن ندعو الله أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم، وأن من أطاع الله، كان * (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) * الآية. وأن بعضهم * (من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح) * أي: من ذريته * (ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) *، فهذه خير بيوت العالم، اصطفاهم الله، واختارهم، واجتباهم. وكان حالهم عن تلاوة آيات الرحمن عليهم، المتضمنة للإخبار بالغيوب وصفات علام الغيوب، والإخبار باليوم الآخر، والوعد والوعيد. * (خروا سجدا وبكيا) * أي: خضعوا لآيات الله، وخشعوا لها، وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة، ما أوجب لهم بالبكاء والإنابة، والسجود لربهم. ولم يكونوا من الذين إذا سمعوا آيات الله خروا عليها صما وعميانا. وفي إضافة الآيات إلى اسمه * (الرحمن) * دلالة على أن آياته، من رحمته بعباده، وإحسانه إليهم حيث هداهم بها إلى الحق، وبصرهم من العمى، وأنقذهم من الضلالة، وعلمهم من الجهالة. * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأول ئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا * جنات عدن التي وعد الرحم ن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا * تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) * لما ذكر تعالى هؤلاء الأنبياء
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 ... » »»