مخلوقة لعبادة الله، ليكون مآلها إلى كرامة الله، فظلموها، وتركوا ما خلقت له، وعرضوها للإهانة الدائمة، والشقاء الملازم. * (فأصابهم سيئات ما عملوا) * أي: عقوبات أعمالهم وآثارها، * (وحاق بهم) * أي: نزل * (ما كانوا به يستهزئون) * فإنهم كانوا إذا أنذرتهم رسلهم بالعذاب، استهزؤوا به، وسخروا ممن أخبر به فحل بهم ذلك الأمر الذي سخروا منه. * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * أي: احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله، وأن الله لو شاء، ما أشركوا، ولا حرموا شيئا من الأنعام، التي أحلها كالبحيرة، والوصيلة والحام، ونحوها، من دونه، وهذه حجة باطلة، فإنها لو كانت حقا، ما عاقب الله الذين من قبلهم، حيث أشركوا به، فعاقبهم أشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم، لما عذبهم، وليس قصدهم بذلك، إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل، وإلا فعندهم علم، أنه لا حجة لهم على الله. فإن الله أمرهم ونهاهم، ومكنهم من القيام بما كلفهم، وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر، من أبطل الباطل، هذا، وكل أحد يعلم بالحس، قدرة الإنسان على كل فعل يريده، من غير أن ينازعه منازع، فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله، وتكذيب الأمور العقلية، والحسية، * (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * أي: البين، الظاهر، الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة، فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه، واحتجوا عليهم بالقدر، فليس للرسل من الأمر شيء، وإنما حسابهم على الله عز وجل. * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين) * يخبر تعالى، أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة، إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة، ودين واحد، وهو: عبادة الله وحده لا شريك له * (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) *، فانقسمت الأمم، بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها، قسمين، * (فمنهم من هدى الله) * فاتبعوا المرسلين، علما، وعملا، * (ومنهم من حقت عليه الضلالة) * فاتبع سبيل الغي. * (فسيروا في الأرض) * بأبدانكم وقلوبكم * (فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * فإنكم سترون من ذلك، العجائب، فلا تجد مكذبا، إلا كان عاقبته الهلاك. * (إن تحرص على هداهم) * وتبذل جهدك في ذلك * (فإن الله لا يهدي من يضل) * ولو فعل كل سبب لم يهده إلا الله، * (وما لهم من ناصرين) * ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه. * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ول كن أكثر الناس لا يعلمون * ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين * إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله، أنهم * (أقسموا بالله جهد أيمانهم) * أي: حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله، وأنه لا يبعث الأموات، ولا يقدر على إحيائهم، بعد أن كانوا ترابا، قال تعالى مكذبا لهم: * (بلي) * سيبعثهم، ويجمعهم، ليوم لا ريب فيه * (وعدا عليه حقا) * لا يخلفه ولا يغيره * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *، ومن جهلهم العظيم، إنكارهم البعث والجزاء. ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال: * (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) * من المسائل الكبار والصغار، فيبين حقائقها ويوضحها. * (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) * حتى يروا أعمالهم حسرات عليهم، وما نفعتهم آلهتهم، التي يدعون مع الله من شيء، لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم، وتكور الشمس والقمر، وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها، أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات، وليس ذلك على الله بصعب و شديد، فإنه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، من غير منازعة ولا امتناع، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه. * (والذين هاجروا
(٤٤٠)