تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٣٨
من جميع أصناف النعم، مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم، فأكثر من أن تحصى، * (إن الله لغفور رحيم) * يرضى منكم باليسير من الشكر، مع إنعامه الكثير. وكما أن رحمته واسعة، وجوده عميم، ومغفرته شاملة للعباد، فعلمه محيط بهم، * (يعلم ما تسرون وما تعلنون) * بخلاف من عبد من دونه، فإنهم * (لا يخلقون شيئا) * قليلا ولا كثيرا * (وهم يخلقون) *، فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى؟ ومع هذا، ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء، لا علم، ولا غيره، * (أموات غير أحياء) * فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تعقل شيئا، أفنتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين؟ فتبا لعقول المشركين، ما أضلها، وأفسدها، حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا، وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال، ولا شيء من الأفعال، وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فله العلم المحيط بكل الأشياء، والقدرة العامة، والرحمة الواسعة، التي ملأت جميع العوالم، والحمد والمجد والكبرياء والعظمة، التي لا يقدر أحد من الخلق، أن يحيط ببعض أوصافه ولهذا قال: * (إلهكم إله واحد) * وهو: الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فأهل الإيمان والعقول، أحلته قلوبهم وعظمته، وأحبته حبا عظيما، وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية، وأعمال القلوب وأعمال الجوارح، وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى، وصفاته، وأفعاله المقدسة، * (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) * لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق، جهلا وعنادا، وهو: توحيد الله * (وهم مستكبرون) * عن عبادته. * (لا جرم) * أي: حقا لا بد * (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * من الأعمال القبيحة * (إنه لا يحب المستكبرين) * بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم من جنس عملهم * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) *. * (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) * يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله: * (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) * أي: إذا سئلوا عن القرآن والوحي، الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد. فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها، أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه: إنه * (أساطير الأولين) * أي: كذب اختلقه محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس، جيلا بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب، فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم، ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة. وقوله: * (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) * أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم، إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون، فكل مستقل بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا * (ألا ساء ما يزرون) * أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم، من وزرهم، ووزر من أضلوه. * (قد مكر الذين من قبلهم) * برسلهم، واحتالوا بأنواع الحيل، على رد ما جاؤوهم به، وبنوا من مكرهم، قصورا هائلة، * (فأتى الله بنيانهم من القواعد) * أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها، * (فخر عليهم السقف من فوقهم) * فصار ما بنوه عذابا، عذبوا به، * (وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) * وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم، ويقيهم العذاب، فصار عذابهم فيما بنوه وأصلوه. وهذا من أحسن الأمثال، في إبطال الله مكر أعدائه. فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم، وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل، يرجعون إليها، ويردون بها ما جاءت به الرسل، واحتالوا أيضا على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم، فصار مكرهم وبالا عليهم، فصار تديبرهم فيه تدميرهم، وذلك لأن مكرهم سيىء * (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) *، هذا في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى، ولهذا قال: * (ثم يوم القيامة يخزيهم) * أي: يفضحهم على رؤوس الخلائق، ويبين لهم كذبهم، وافتراءهم على الله. * (ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) * أي: تحاربون
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»