غزيرا منه يشربون، وتشرب مواشيهم، ويسقون منه حروثهم، فتخرج لهم الثمرات الكثيرة، والنعم الغزيرة. * (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم، وأنواع مصالحكم، بحيث لا تستغنون عنها أبدا، فبالليل تسكنون وتنامون، وتستريحون، وبالنهار تنتشرون في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم، وبالشمس والقمر، من الضياء، والنور، والإشراق، وإصلاح الأشجار والثمار، والنبات، وتجفيف الرطوبات، وإزالة البرودة الضارة للأرض، وللأبدان، وغير ذلك من الضروريات والحاجيات، التابعة لوجود الشمس والقمر. وفيهما، وفي النجوم، من الزينة للسماء والهداية، في ظلمات البر والبحر، ومعرفة الأوقات، وحساب الأزمنة، ما تتنوع دلالاتها، وتتصرف آياتها، ولهذا جمعها في قوله: * (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر، فيما هي مهيأة له، مستعدة، تعقل ما تراه، وتسمعه، لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظرة، حظ البهائم، التي لا عقل لها. * (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) * أي: فيما ذرأ الله ونشر للعباد، من كل ما على وجه الأرض، من حيوان، وأشجار، ونبات، وغير ذلك، مما تختلف ألوانه، وتختلف منافعه آية على كمال قدرة الله، وعميم إحسانه، وسعة بره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وحده لا شريك له، * (لقوم يذكرون) * أي: يستحضرون في ذاكرتهم، ما ينفعهم من العلم النافع، ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه، حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه. * (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) * أي: هو وحده لا شريك له * (الذي سخر البحر) * وهيأه لمنافعكم المتنوعة، * (لتأكلوا منه لحما طريا) * هو، السمك، والحوت، الذي تصطادونه منه، * (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) * فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم، * (وترى الفلك) * أي: السفن والمراكب * (مواخر فيه) * أي: تمخر في البحر العجاج الهائل، بمقدمها، حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر، تحمل المسافرين وأرزاقهم، وأمتعتهم، وتجاراتهم، التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم. * (ولعلكم تشكرون) * الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها، وتثنون على الله الذي من بها، فلله تعالى الحمد والشكر، والثناء، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم، فوق ما يطلبون، وأعلى ما يتمنون، وآتاهم من كل ما سألوه، لا نحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه. * (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون) * أي: * (وألقي) * الله تعالى لأجل عباده * (في الأرض رواسي) * وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق، فيتمكنون من حرث الأرض والبناء، والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا، يسوقها من أرض بعيدة، إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارا على وجه الأرض، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية، * (لعلكم تهتدون) * السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال، مسلسلة فيها، وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين. * (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) * لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة، وما أنعم به من النعم العميمة، ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له، ولا ند له، فقال: * (أفمن يخلق) * جميع المخلوقات، وهو الفعال لما يريد * (كمن لا يخلق) * شيئا، لا قليلا، ولا كثيرا، * (أفلا تذكرون) * فتعرفون أن المنفرد بالخلق، أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره، فإنه واحد في إلهيته وتوحيده، وعبادته. وكما أنه ليس له مشارك، إذ أنشأكم وأنشأ غيركم، فلا تجعلوا له أندادا في عبادته، بل أخلصوا له الدين، * (وإن تعدوا نعمة الله) * عددا مجردا عن الشكر * (لا تحصوها) * فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد، بعدد الأنفاس واللحظات،
(٤٣٧)