تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٩١
* (إنه بما يعملون) * من خير وشر * (خبير) * فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم، دقيقها وجليلها. ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم، أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك، يمنة، ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا، بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة. وقوله: * (إنه بما تعملون بصير) * أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم عليها. ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها، ولهذا حذرهم عن الميل إلى من تعدى الاستقامة فقال: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) * فإنكم إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم * (فتمسكم النار) * إن فعلتم ذلك * (وما لكم من دون الله من أولياء) * يمنعونكم من عذاب الله، ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله. * (ثم لا تنصرون) * أي: لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم. ففي هذه الآية: التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون، الميل والانضمام إليه بظلمه، وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم. وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة؟ نسأل الله العافية من الظلم. * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن الس يئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة * (طرفي النهار) * أي: أوله وآخره، ويدخل في هذا، صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر، * (وزلفا من الليل) * ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل، فإنها مما تزلف العبد، وتقربه إلى الله تعالى. * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * أي: فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي: مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك: الصغائر، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله: (والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء، وهي قوله عز وجل: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) *. ذلك ولعل الإشارة لكل ما تقدم من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم وعدم مجاوزته وتعديه، وعدم الركون إلى الذين ظلموا. والأمر بإقامة الصلاة، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، الجميع * (ذكرى للذاكرين) * يفهمون بها ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات، الدافعة للشرور والسيئات. ولكن تلك الأمور، تحتاج إلى مجاهدة النفس، والصبر عليها ولهذا قال: * (واصبر) * أي: احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر. * (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون. وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة، إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت. * (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين) * لما ذكر تعالى إهلاك الأمم المكذبة للرسل، وأن أكثرهم منحرفون عن أهل الكتب الإلهية وذلك كله يقضي على الأديان بالذهاب والاضمحلال، ذكر أنه لولا أنه جعل في القرون الماضية بقايا من أهل الخير يدعون إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى، فحصل من نفعهم، وأبقيت به الأديان، ولكنهم قليلون جدا. وغاية الأمر، أنهم نجوا باتباعهم المرسلين، وقيامهم بما قاموا به من دينهم، ويكون حجة الله أجراها على أيديهم، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. * (و) * لكن * (اتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) * أي: اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف، ولم يبغوا به بدلا. * (وكانوا مجرمين) * أي: ظالمين، باتباعهم ما أترفوا فيه، فلذلك حق عليهم العقاب، واستأصلهم العذاب. وفي هذا حث لهذه الأمة أن يكون
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»