تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٩٤
لا يغني عنه شيئا من الأشجار، والأحجار؟ وأي كذب، أبلغ من كذب، من نسب هذه الأمور إلى الله تعالى؟ * (قال يا قوم ليس بي سفاهة) * بوجه من الوجوه، بل هو الرسول، المرشد الرشيد، * (ولكني رسول من رب العالمين) *. * (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) *. فالواجب عليكم أن تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد، وطاعة رب العباد. * (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم) * أي: كيف تعجبون من أمر، لا يتعجب منه، وهو أن الله أرسل إليكم رجلا منكم تعرفون أمره، يذكركم بما فيه مصالحكم، ويحثكم على ما فيه النفع لكم، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين. * (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * أي: واحمدوا ربكم واشكروه، إذ مكن لكم في الأرض، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة، الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم الله وأبقاكم، لينظر كيف تعملون، واحذروا أن تقيموا على التكذيب، كما أقاموا، فيصيبكم ما أصابهم. * (و) * اذكروا نعمة الله عليكم، التي خصكم بها، وهي أن * (زادكم في الخلق بسطة) * في القوة، وكبر الأجسام، وشدة البطش، * (فاذكروا آلاء الله) * أي: نعمه الواسعة، وأياديه المتكررة، * (لعلكم) * إذا ذكرتموها بشكرها، وأداء حقها * (تفلحون) * أي: تفوزون بالمطلوب، وتنجون من المرهوب، فوعظهم، وذكرهم، وأمرهم بالتوحيد، وذكر لهم وصف نفسه، وأنه ناصح أمين، وحذرهم أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم، وذكرهم، نعم الله عليهم وإدرار الأرزاق إليهم، فلم ينقادوا، ولا استجابوا. * (قالوا) * متعجبين من دعوته، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه. * (أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) *، قبحهم الله، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات، وأكمل الأمور من الأمور التي يعارضون بها، ما وجدوا عليه آباءهم، فقدموا ما عليه الآباء الضالون، من الشرك وعبادة الأصنام، على ما دعت إليه الرسل، من توحيد الله وحده لا شريك له، وكذبوا نبيهم، وقالوا: * (ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) * وهذا الاستفتاح منهم على أنفسهم. * (قال) * لهم هود عليه السلام: * (قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب) * أي: لا بد من وقوعه، فإنه قد انعقدت أسبابه، وحان وقت الهلاك. * (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) * أي: كيف تجادلون على أمور، لا حقائق لها، وعلى أصنام سميتموها آلهة، وهي لا شيء من الإلهية فيها، ولا مثقال ذرة و * (ما أنزل الله بها من سلطان) * فإنها لو كانت صحيحة، لأنزل الله بها سلطانا. فعدم إنزاله له، دليل على بطلانها، فإنه ما من مطلوب ومقصود وخصوصا الأمور الكبار إلا وقد بين الله فيها من الحجج، ما يدل عليها، ومن السلطان، ما لا تخفى معه. * (فانتظروا) * ما يقع بكم من العقاب، الذي وعدتكم به * (إني معكم من المنتظرين) * وفرق بين الانتظارين، انتظار من يخشى وقوع العقاب، ومن يرجو من الله النصر والثواب، ولهذا فتح الله بين الفريقين. فقال: * (فأنجيناه) * أي: هودا * (والذين) * آمنوا * (معه برحمة منا) * فإنه الذين هداهم للإيمان، وجعل إيمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته. * (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) * أي: استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحدا، وسلط الله عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه، إلا جعلته كالرميم، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين أقيمت عليهم الحجج، فلم ينقادوا لها، وأمروا بالإيمان، فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك، والخزي، والفضيحة. * (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة يوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) *. وقال هنا: * (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين) * بوجه من الوجوه، بل وصفهم التكذيب والعناد، ونعتهم، الكبر والفساد. * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره قد جاءتكم بينة من ربكم ه ذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين * قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنآ إن كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) * أي: * (و) * أرسلنا * (إلى ثمود) * القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله، من أرض الحجاز، وجزيرة العرب. أرسل الله إليهم * (أخاهم صالحا) * نبيا يدعوهم، إلى الإيمان والتوحيد وينهاهم عن الشرك والتنديد. * (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين الأمر بعبادة الله، وبيان أنه ليس للعباد، إله غير الله. * (قد جاءتكم بينة من ربكم) * أي خارق من خوارق العادات، التي لا تكون إلا آية سماوية، لا يقدر الناس عليها، ثم فسرها بقوله: * (هذه ناقة الله لكم آية) * أي: هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»