ا تخافون أنكم أشركتم بالله، ما لم ينزل به عليكم سلطانا) * أي: إلا بمجرد اتباع الهوى. * (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) *. قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا) * أي: يخلطوا * (إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * الأمن من المخاوف، والعذاب والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم. فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاصي، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء. ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة قال: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) * أي: علا بها عليهم، وحاجهم بها. * (نرفع درجات من نشاء) * كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة، فإن العلم يرفع الله به صاحبه، فوق العباد درجات. خصوصا، العالم العامل، المعلم، فإنه يجعله الله إماما للناس، بحسب حاله. ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) *. * (إن ربك حكيم عليم) * فلا يضع العلم والحكمة، إلا في المحل اللائق بهما، وهو أعلم بذلك المحل، وبما ينبغي له. * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أول ئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها ه ؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين * أول ئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) * لما ذكر الله عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام، وذكر ما من الله عليه به، من العلم، والدعوة، والصبر، ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب. وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة، التي لا يدرك لها نظير فقال: * (ووهبنا له إسحق ويعقوب) * ابنه، الذي هو إسرائيل، أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين. * (كلا) * (منهما) * (هدينا) * الصراط المستقيم، في علمه وعمله. * (ونوحا هديناه) * * (من قبل) * وهدايته أعلى أنواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم؛ وهم أولو العزم من الرسل، الذي هو أحدهم. * (ومن ذريته) * يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح، لأنه أقرب مذكور، لأن الله ذكر مع من ذكر، لوطا، وهو من ذرية نوح، لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه. ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم لأن السياق في مدحه والثناء عليه. ولوط وإن لم يكن من ذريته فإنه ممن آمن على يده. فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك، أبلغ من كونه مجرد ابن له. * (داود وسليمان) * بن داود * (وأيوب ويوسف) * بن يعقوب. * (وموسى وهارون) * ابني عمران. * (وكذلك) * كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل، لأنه أحسن في عبادة ربه، وأحسن في نفع الخلق كذلك. * (نجزي المحسنين) * بأن نجعل لهم، من الثناء الصدق، والذرية الصالحة، بحسب إحسانهم. * (وزكريا ويحيى) * (ابنه) * (وعيسى) * (ابن مريم) * (وإلياس كل) * (هؤلاء) * (من الصالحين) * في أخلاقهم وأعمالهم، وعلومهم، بل هم سادة الصالحين وقادتهم، وأئمتهم. * (وإسماعيل) * بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب، وهو الشعب العربي، ووالد سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم. * (ويونس) * بن متى * (ولوطا) * بن هاران، أخي إبراهيم. * (وكلا) * من هؤلاء الأنبياء والمرسلين * (فضلنا على العالمين) * لأن درجات الفضائل أربع وهي التي ذكرها الله بقوله: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) *. فهؤلاء من الدرجة العليا، بل هم أفضل الرسل على الإطلاق. فالرسل الذين قصهم الله
(٢٦٣)