تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٢٦
أوتي قارون، إنه لذو حظ عظيم) *. وقال في الحظ النافع: * (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) * (وقوله) * (إلا قليلا منهم) * أي: فإنهم وفوا بما عاهدوا الله عليهم فوفقهم، وهداهم للصراط المستقيم. * (فاعف عنهم واصفح) * أي: لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الأذى، الذي يقتضي أن يعفى عنهم. واصفح، فإن ذلك من الإحسان * (والله يحب المحسنين) * والإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. وفي حق المخلوقين: بذل النفع الديني والدنيوي لهم. * (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * أي: وكما أخذنا من اليهود العهد والميثاق، فكذلك أخذنا * (من الذين قالوا إنا نصارى) * لعيسى بن مريم، وزكوا أنفسهم بالإيمان بالله، ورسله، وما جاؤوا به، ونقضوا العهد. * (فنسوا حظا مما ذكروا به) * نسيانا علميا، ونسيانا عمليا. * (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * أي: سلطنا بعضهم على بعض، وصار بينهم من الشرور والإحن، ما يقتضي بغض بعضهم بعضا ومعاداة بعضهم بعضا إلى يوم القيامة. وهذا أمر مشاهد، فإن النصارى لم يزالوا في بعض وعداوة وشقاق. * (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * فيعاقبهم عليه. * (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) * لما ذكر تعالى، ما أخذه الله على أهل الكتاب، من اليهود والنصارى وأنهم نقضوا ذلك، إلا قليلا، أمرهم جميعا أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، واحتج عليهم بآية قاطعة دالة على صحة نبوته. وهي: أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون عن الناس، حتى عن العوام من أهل ملتهم. فإذا كانوا هم المشار إليهم في العلم ولا عند أحد في ذلك الوقت إلا ما عندهم، فالحريص على العلم، لا سبيل له إلى إدراكه إلا منهم. فإتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم، الذي بين به ما كانوا يتكاتمون بينهم، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب من أدل الدلائل على القطع برسالته. وذلك مثل صفة محمد في كتبهم، ووجود البشائر به في كتبهم، وبيان آية الرجم ونحو ذلك. * (ويعفو عن كثير) * أي: يترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة. * (قد جاءكم من الله نور) * وهو القرآن، يستضاء به في ظلمات الجهالة، وعماية الضلالة. * (وكتاب مبين) * بكل ما يحتاج الخلق إليه، من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية. ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن؟ وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك فقال: * (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) * أي: يهدي من اجتهد وحرص، على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا سبل السلام، التي يسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا. * (ويخرجهم من الظلمات) * ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة. * (إلى النور) * نور الإيمان والسنة، والطاعة، والعلم، والذكر. وكل هذه من الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ، لم يكن. * (ويهديهم إلى صراط مستقيم) *. * (لقد كفر الذين قآلوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير * وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير) * لما ذكر تعالى أخذ الميثاق على أهل الكتابين، وأنهم لم يقوموا به بل نقضوه ذكر أقوالهم الشنيعة. فذكر قول النصارى، القول الذي ما قاله أحد غيرهم، بأن الله هو المسيح ابن مريم. ووجه شبهتهم، أنه ولد من غير أب، فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل. مع أن حواء نظيره، خلقت بلا أم. وآدم أولى منه، خلق بلا أب ولا أم. فهلا ادعوا فيهما الإلهية، كما ادعوها في المسيح؟ فدل على أن قولهم، اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة. فرد الله عليهم، بأدلة عقلية واضحة فقال: * (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) *. فإذا كان المذكورون، لا امتناع عندهم، يمنعهم لو أراد الله أن يهلكهم،
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»