فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير) * السارق: هو من أخذ مال غيره المحترم خفية، بغير رضاه. وهو من كبائر الذنوب الموجبة، لترتب العقوبة الشنيعة، وهو قطع اليد اليمنى، كما هو في قراءة بعض الصحابة. وحد اليد عند الإطلاق من الكوع. فإذا سرق، قطعت يده من الكوع، وحسمت في زيت، لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم هذه الآية، من عدة أوجه: منها: الحرز، فإنه لا بد أن تكون السرقة من حرز، وحرز كل مال: ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير حرز، فلا قطع عليه. ومنها: أنه لا بد أن يكون المسروق نصابا، وهو: ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي أحدهما. فلو سرق دون ذلك، فلا قطع عليه. ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها. فإن لفظ (السرقة) أخذ الشيء، على وجه، لا يمكن الاحتراز منه. وذلك أن يكون المال محرزا. فلو كان غير محرز، لم يكن ذلك سرقة شرعية. ومن الحكمة أيضا أن لا تقطع اليد، في الشيء النزر التافه. فلما كان لا بد من التقدير، كان التقدير الشرعي، مخصصا للكتاب. والحكمة في قطع اليد في السرقة، أن ذلك حفظ للأموال، واحتياط لها، وليقطع العضو الذي صدرت منه الجناية. فإن عاد السارق، قطعت رجله اليسرى. فإن عاد، فقيل: تقطع يده اليسرى، ثم رجله اليمنى، وقيل: يحبس حتى يموت. وقوله: * (جزاء بما كسبا) * أي: ذلك القطع، جزاء للسارق بما سرقه، من أموال الناس. * (نكالا من الله) * أي: تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره، ليرتدع السارق إذا علموا أنهم سيقطعون إذا سرقوا. * (والله عزيز حكيم) * أي: عز وحكم، فقطع السارق. * (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، فإن الله يتوب عليه، إن الله غفور رحيم) *. فيغفر لمن تاب، فترك الذنوب، وأصلح الأعمال والعيوب. وذلك أن الله له ملك السماوات والأرض، يتصرف فيهما بما شاء، من التصاريف القدرية والشرعية، والمغفرة، والعقوبة، بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته. * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم ه ذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أول ئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم * سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين * وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك ومآ أول ئك بالمؤمنين * إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأول ئك هم الكافرون) * كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان، ثم يرجع إلى الكفر. فأرشده الله تعالى، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء. فإن هؤلاء، لا في العير ولا في النفير. إن حضروا لم ينفعوا، وإن غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم فقال: * (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) * فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم، من كان معدودا من المؤمنين، ظاهرا وباطنا. وحاشا لله، أن يرجع هؤلاء عن دينهم، ويرتدوا، فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا. * (ومن الذين هادوا) * أي: اليهود * (سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) * أي: مستجيبون ومقلدون لرؤوسائهم، المبني أمرهم على الكذب، والضلال، والغي. وهؤلاء الرؤوساء المتبعون * (لم يأتوك) * بل أعرضوا عنك وفرحوا بما عندهم من الباطل. * (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) * أي: يجلبون معاني للألفاظ، ما أرادها الله، ولا قصدها، لإضلال الخلق، ولدفع الحق. فهؤلاء المنقادون، للدعاة إلى الضلال، المتبعين للمحال، الذين يأتون بكل كذب، لا عقول لهم ولا
(٢٣١)