تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٢٥
نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يذكر تعالى عباده المؤمنين، بنعمه العظيمة، ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان. وأنهم كما أنهم يعدون قتلهم لأعدائهم، وأخذ أموالهم وبلادهم وسبيهم نعمة فليعدوا أيضا، إنعامه عليهم، بكف أيديهم عنهم، ورد كيدهم في نحورهم، نعمة. فإن الأعداء، قد هموا بأمر، وظنوا أنهم قادرون عليه. فإذا لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم، فهو نصر من الله، لعباده المؤمنين ينبغي لهم أن يشكروا الله على ذلك، ويعبدوه ويذكروه. وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشر، من كافر، ومنافق، وباغ، كف الله شره عن المسلمين، فإنه داخل في هذه الآية. ثم أمرهم بما يستعينون به على الانتصار على عدوهم، وعلى جميع أمورهم فقال: * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أي: يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية، ويتبرأوا من حولهم وقوتهم، ويثقوا بالله تعالى، في حصول ما يحبون. وعلى حسب إيمان العبد، يكون توكله، وهو من واجبات القلب المتفق عليها. * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرآئيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل * فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خآئنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) * يخبر تعالى أنه أخذ على بني إسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد. وذكر صفة الميثاق وأجرهم، إن قاموا به، وإثمهم، إن لم يقوموا به. ثم ذكر أنهم ما قاموا به، وذكر ما عاقبهم به فقال: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) * أي: عهدهم المؤكد الغليظ. * (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) * أي: رئيسا وعريفا على ما تحته، ليكون ناظرا عليهم، حاثا لهم على القيام بما أمروا به، مطالبا يدعوهم. * (وقال الله) * للنقباء الذين تحملوا من الأعباء ما تحملوا: * (إني معكم) * أي: بالعون والنصر، فإن المعونة، بقدر المؤنة. ثم ذكر ما واثقهم عليه فقال: * (لئن أقمتم الصلاة) * ظاهرا، وباطنا، بالإتيان بما يلزم وينبغي فيها، والمداومة على ذلك. * (وآتيتم الزكاة) * لمستحقيها * (وآمنتم برسلي) * جميعهم، الذين أفضلهم وأكملهم، محمد صلى الله عليه وسلم. * (وعزرتموهم) * أي: عظمتموهم، وأديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة. * (وأقرضتم الله قرضا حسنا) * وهو الصدقة والإحسان، الصادر عن الصدق والإخلاص، وطيب المكسب. فإذا قمتم بذلك * (لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) *. فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم، واندفاع المكروه بتكفير السيئات، ودفع ما يترتب عليها من العقوبات. * (فمن كفر بعد ذلك) * العهد والميثاق المؤكد بالإيمان، والالتزامات المقرون بالترغيب بذكر ثوابه. * (فقد ضل سواء السبيل) * أي: عن عمد وعلم، فيستحق ما يستحقه الضالون، من حرمان الثواب، وحصول العقاب. فكأنه قيل: ليت شعري، ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه، أم نكثوا؟ فبين أنهم نقضوا ذلك فقال: * (فبما نقضهم ميثاقهم) * أي: بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات: الأولى: أن * (لعناهم) * أي: طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم، الذي هو سببها الأعظم. الثانية: قوله: * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * أي: غليظة لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا يرغبهم تشويق. ولا يزعجهم تخويف. وهذا من أعظم العقوبات على العبد، أن يكون قلبه بهذه الصفة، التي لا يفيده معها، الهدى، والخير إلا شرا. الثالثة: أنهم * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * أي: ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون الكلام الذي أراد الله له معنى، غير ما أراد الله، ولا رسوله. الرابعة: أنهم * (نسوا حظا مما ذكروا به) *. فإنهم ذكروا بالتوراة، وبما أنزل الله على موسى، فنسوا حظا منه. وهذا شامل، لنسيان علمه، وأنهم نسوه، وضاع عنهم، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه، عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل، الذي هو الترك، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به. ويستدل بهذا على أهل الكتاب، بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم، أو وقع في زمانهم، أنه مما نسوه. الخامسة: الخيانة المستمرة التي * (لا تزال تطلع على خائنة منهم) * أي: خيانتهم لله، ولعباده المؤمنين. ومن أعظم الخيانة منهم، كتمهم الحق، عن من يعظهم، ويحسن فيهم الظن، وإبقاؤهم على كفرهم، فهذه خيانة عظيمة. وهذه الخصال الذميمة، حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب ونسيان حظ مما ذكر به. وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة. نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا، لأنه هو أعظم الحظوظ، وما عداه فإنما هي حظوظ دنيوية. كما قال تعالى: * (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»