تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٢٤
الثالث والأربعون: أن الآية عامة في جواز التيمم، لجميع الأحداث كلها، الحدث الأكبر، والأصغر، بل ونجاسة البدن، لأن الله جعلها بدلا عن طهارة الماء، وأطلق في الآية، فلم يقيد. وقد يقال: إن نجاسة البدن، لا تدخل في حكم التيمم، لأن السياق في الأحداث، وهو قول جمهور العلماء. الرابع والأربعون: أن محل التيمم في الحدث الأصغر والأكبر، واحد، وهو الوجه واليدان. الخامس والأربعون: أنه لو نوى من عليه حدثان، التيمم عنهما، فإنه يجزئ، أخذا من عموم الآية وإطلاقها. السادس والأربعون: أنه يكفي المسح بأي شيء كان، بيده أو غيرها، لأن الله قال: * (فامسحوا) * ولم يذكر الممسوح به، فدل على جوازه بكل شيء. السابع والأربعون: اشتراط الترتيب في طهارة التيمم، كما يشترط ذلك في الوضوء. ولأن الله بدأ بمسح الوجه، قبل مسح اليدين. الثامن والأربعون: أن الله تعالى فيما شرعه لنا من الأحكام لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر. وإنما هو رحمة منه بعباده، ليطهرهم، وليتم نعمته عليهم. وهذا هو التاسع والأربعون: أن طهارة الظاهر بالماء والتراب، تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد، والتوبة النصوح. الخمسون: أن طهارة التيمم وإن لم يكن فيها نظافة وطهارة، تدرك بالحس والمشاهدة، فإن فيها طهارة معنوية، ناشئة عن امتثال أمر الله تعالى. الحادي والخمسون: أنه ينبغي للعبد أن يتدبر الحكم والأسرار، في شرائع الله، في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلما، ويزداد شكرا لله ومحبة له، على ما شرع من الأحكام التي توصل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة. * (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور) * يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية، بقلوبهم وألسنتهم. فإن في استدامة ذكرها، داعيا لشكر الله تعالى، ومحبته، وامتلاء القلب من إحسانه. وفيه زوال للعجب، من النفس، بالنعم الدينية، وزيادة لفضل الله وإحسانه. و * (وميثاقه) * أي: واذكروا ميثاقه * (الذي واثقكم به) * أي: عهده الذي أخذه عليكم. وليس المراد بذلك، أنهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق. وإنما المراد بذلك، أنهم بإيمانهم بالله ورسوله قد التزموا طاعتهما. ولهذا قال: * (إذ قلتم سمعنا وأطعنا) * أي: سمعنا ما دعوتنا به، من آياتك القرآنية والكونية، سمع فهم، وإذعان، وانقياد. وأطعنا ما أمرتنا به، بالامتثال، وما نهيتنا عنه بالاجتناب. وهذا شامل لجميع شرائع الدين، الظاهرة والباطنة. وأن المؤمنين يذكرون في ذلك، عهد الله وميثاقه عليهم، وتكون منهم على بال، ويحرصون على أداء ما أمروا به كاملا غير ناقص. * (واتقوا الله) * في جميع أحوالكم * (إن الله عليم بذات الصدور) * أي: ما تنطوي عليه، من الأفكار، والأسرار، والخواطر. فاحذروا أن يطلع، من قلوبكم، على أمر لا يرضاه، أن يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم، بمعرفته، ومحبته، والنصح لعباده. فإنكم إن كنتم كذلك غفر لكم السيئات، وضاعف لكم الحسنات، لعلمه بصلاح قلوبكم. * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) * أي: * (يا أيها الذين آمنوا) * بما أمروا بالإيمان به، قوموا بلازم إيمانكم، بأن تكونوا * (قوامين لله شهداء بالقسط) *، بأن تنشط للقيام بالقسط، حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام، لله وحده، لا لغرض من الأغراض الدنيوية. وأن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط ولا التفريط، في أقوالكم ولا في أفعالكم. وقوموا بذلك، على القريب، والبعيد، والصديق والعدو. * (ولا يجرمنكم) * أي: لا يحملنكم * (شنآن قوم) * أي: بغضهم. * (على أن لا تعدلوا) * كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم، فاشهدوا له، فلو كان كافرا أو مبتدعا. فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لا لأنه قاله. ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق. * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * أي: كلما حرصتم على العدل، واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل، كملت التقوى. * (إن الله خبير بما تعملون) * فمجازيكم بأعمالكم، خيرها، وشرها، صغيرها، وكبيرها، جزاء عاجلا، وآجلا. * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أول ئك أصحاب الجحيم) * أي: * (وعد الله) * الذي لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين المؤمنين به، وبكتبه، ورسله، واليوم الآخر. * (وعملوا الصالحات) * من واجبات، ومستحبات بالمغفرة لذنوبهم، بالعفو عنها، وعن عواقبها، وبالأجر العظيم الذي لا يعلم عظمه إلا الله تعالى. * (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزءا بما كانوا يعملون) *. * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * الدالة على الحق المبين، فكذبوا بها، بعد ما أبانت الحقائق. * (أولئك أصحاب الجحيم) * الملازمون لها، ملازمة الصاحب لصاحبه. * (يا أيهآ الذين آمنوا اذكروا
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»