تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٢٢
ومفهوم الآية، أن الأرقاء من المؤمنات، لا يباح نكاحهن للأحرار، وهو كذلك. وأما الكتابيات، فعلى كل حال، لا يبحن، ولا يجوز نكاحهن للأحرار مطلقا، لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) *. وأما المسلمات إذا كن رقيقات فإنه لا يجوز للأحرار نكاحهن إلا بشرطين، عدم الطول، وخوف العنت. وأما الفاجرات، غير العفيفات عن الزنا، فلا يباح نكاحهن، سواء كن مسلمات، أو كتابيات، حتى يتبن لقوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) * الآية. وقوله: * (إذا آتيتموهن أجورهن) * أي: أبحنا لكم نكاحهن، إذا أعطيتموهن مهورهن. فمن عزم على أن لا يؤتيها مهرها، فإنها لا تحل له. وأمر بإيتائها، إذا كانت رشيدة، تصلح للإيتاء، وإلا أعطاه الزوج لوليها. وإضافة الأجور إليهن، دليل على أن المرأة، تملك جميع مهرها، وليس لأحد منه شيء، إلا ما سمحت به لزوجها، أو وليها أو غيرهما. * (محصنين غير مسافحين) * أي: حالة كونكم أيها الأزواج محصنين لنسائكم، بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن. * (غير مسافحين) * أي: زانين مع كل أحد * (ولا متخذي أخدان) *. وهو: الزنا مع العشيقات لأن الزنا في الجاهلية، منهم من يزني مع من كان، فهذا هو المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فأخبر الله تعالى أن ذلك كله، ينافي العفة. وأن شروط التزوج، أن يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى: * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * أي: ومن كفر بالله تعالى، وما يجب الإيمان به، من كتبه ورسله، أو شيء من الشرائع، فقد حبط عمله، بشرط أن يموت على كفره كما قال تعالى: * (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) * * (وهو في الآخرة من الخاسرين) * أي: الذين خسروا أنفسهم، وأموالهم، وأهليهم يوم القيامة وحصلوا على الشقاوة الأبدية. * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ول كن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) * وهذه آية عظيمة، قد اشتملت على أحكام كثيرة، نذكر منها، ما يسره الله وسهله. أحدها: أن هذه المذكورات فيها امتثالها، والعمل بها من لوازم الإيمان، الذي لا يتم إلا به، لأنه صدرها بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا) * إلى آخرها. أي: يا أيها الذين آمنوا، اعملوا بمقتضى إيمانكم، بما شرعناه لكم. والثاني: الأمر بالقيام بالصلاة لقوله: * (إذا قمتم إلى الصلاة) *. والثالث: الأمر بالنية للصلاة، لقوله: * (إذا قمتم إلى الصلاة) * أي: بقصدها ونيتها. الرابع: اشتراط الطهارة، لصحة الصلاة، لأن الله أمر بها عند القيام إليها، والأصل في الأمر، الوجوب. الخامس: أن الطهارة لا تجب بدخول الوقت، وإنما عند إرادة الصلاة. السادس: أن كل ما يطلق عليه اسم الصلاة، في الفرض، والنفل، وفرض الكفاية، وصلاة الجنازة، تشترط له الطهارة، حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء، كسجود التلاوة، والشكر. السابع: الأمر بغسل الوجه، وهو: ما تحصل به المواجهة، من منابت شعر الرأس المعتاد، إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، طولا. ومن الأذن إلى الأذن، عرضا. ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، بالسنة، ويدخل فيه، الشعور التي فيه. لكن إن كانت خفيفة، فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة. وإن كانت كثيفة، اكتفي بظاهرها. الثامن: الأمر بغسل اليدين، وأن حدهما إلى المرفقين. و (إلى) كما قال جمهور المفسرين، بمعنى (مع) كقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) *. ولأن الواجب لا يتم إلا بغسل جميع المرفق. التاسع: الأمر بمسح الرأس. العاشر: أنه يجب مسح جميعه، لأن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للملاصقة وأنه يعمم المسح بجميع الرأس. الحادي عشر: أنه يكفي المسح كيفما كان بيديه، أو إحداهما، أو خرقة، أو خشبة، أو نحوهما، لأن الله أطلق المسح، ولم يقيده بصفة، فدل ذلك، على إطلاقه. الثاني عشر: أن الواجب المسح. فلو غسل رأسه، ولم يمر يده عليه، لم يكف، لأنه لم يأت بما أمر الله به. الثالث عشر: الأمر بغسل الرجلين إلى الكعبين، ويقال فيهما ما يقال في اليدين. الرابع عشر: فيها الرد على الرافضة، على قراءة الجمهور بالنصب. وأنه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين. الخامس عشر: فيه الإشارة إلى مسح
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»