تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢١٩
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم، قاتل أهل الطائف، في ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم. وقال آخرون: إن النهي عن القتال في الأشهر الحرم، غير منسوخ لهذه الآية وغيرها، مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك، وقال: المطلق يحمل على المقيد. وفصل بعضهم فقال: لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، وأما استدامته، وتكميله، إذا كان أوله في غيرها، فإنه يجوز. وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم، لأهل الطائف على ذلك، لأن أول قتالهم في (حنين) في (شوال). وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود منه الدفع. فأما قتال الدفع إذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال فإنه يجوز للمسلمين القتال، دفعا عن أنفسهم، في الشهر الحرام وغيره، بإجماع العلماء. وقوله: * (ولا الهدي ولا القلائد) * أي: ولا تحلوا الهدي الذي يهدى إلى بيت الله، في حج، أو عمرة، أو غيرها، من نعم وغيرها، فلا تصدوه عن الوصول إلى محله، ولا تأخذوه بسرقة أو غيرها، ولا تقصروا به، أو تحملوه ما لا يطيق، خوفا من تلفه، قبل وصوله إلى محله، بل عظموه، وعظموا من جاء به. * (ولا القلائد) * هذا نوع خاص من أنواع الهدي، وهو الهدي الذي يفتل له قلائد أو عرى، فيجعل في أعناقه، إظهارا لشعائر الله، وحملا للناس على الاقتداء، وتعليما لهم للسنة، وليعرف أنه هدي، فيحرم، ولهذا كان تقليد الهدي من السنة والشعائر المسنونة. * (ولا آمين البيت الحرام) * أي: قاصدين له * (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) * أي: من قصد هذا البيت الحرام، وقصده فضل الله بالتجارة، والمكاسب المباحة، أو قصده رضوان الله، بحجه وعمرته، والطواف به، والصلاة، وغيرها من أنواع العبادات، فلا تتعرضوا له بسوء، ولا تهينوه، بل أكرموه، وعظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم. ودخل في هذا، الأمر بتأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله، وجعل القاصدين له، مطمئنين مستريحين، غير خائفين على أنفسهم من القتل فما دونه، ولا على أموالهم من المكس والنهب ونحو ذلك. وهذه الآية الكريمة مخصوصة بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) *. فالمشرك، لا يمكن من الدخول إلى الحرم. والتخصيص في هذه الآية، بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت، ابتغاء فضل الله أو رضوانه يدل على أن من قصده، ليلحد فيه بالمعاصي، فإن من تمام احترام الحرم، صد من هذه حاله، عن الإفساد ببيت الله، كما قال تعالى: * (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) *. ولما نهاهم عن الصيد في حال الإحرام قال: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * أي: إذا حللتم من الإحرام، بالحج والعمرة، حل لكم الاصطياد، وزال ذلك التحريم. والأمر بعد التحريم، يرد الأشياء إلى ما كانت عليه من قبل. * (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) * أي: لا يحملنكم بغض قوم، وعداوتهم، واعتداؤهم عليكم، حيث صدوكم عن المسجد، على الاعتداء عليهم، طلبا للاشتفاء منهم، فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله، ويسلك طريق العدل، ولو جني عليه، أو ظلم، واعتدي عليه. فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه، أو يخون من خانه. * (وتعاونوا على البر والتقوى) * أي: ليعن بعضكم بعضا على البر. وهو: اسم جامع لكل من يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين. والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المؤمنين، بكل قول يبعث عليها، وينشط لها، وبكل فعل كذلك. * (ولا تعاونوا على الإثم) * وهو التجري على المعاصي، التي يأثم صاحبها، ويجرح. * (والعدوان) * هو: التعدي على الخلق، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم. فكل معصية وظلم، يجب على العبد، كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. * (واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * على من عصاه، وتجرأ على محارمه. فاحذروا المحارم، لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل. * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) * هذا الذي حولنا الله عليه في قوله: * (إلا ما يتلى عليكم) *. واعلم أن الله تبارك وتعالى، لا يحرم ما يحرم، إلا صيانة لعباده، وحماية لهم من الضرر الموجود في المحرمات، وقد يبين للعباد ذلك، وقد لا يبين. فأخبر أنه حرم * (الميتة) *، والمراد
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»