تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٠٦
الجنة) * المشتملة على ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين. * (ولا يظلمون نقيرا) * أي: لا قليلا ولا كثيرا، مما عملوه من الخير. بل يجدونه كاملا موفرا، مضاعفا أضعافا كثيرة. * (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) * أي: لا أحد أحسن من دين من جمع بين الإخلاص للمعبود، وهو: إسلام الوجه لله، الدال عى استسلام القلب وتوجهه، وإنابته، وإخلاصه وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله. * (وهو) * مع هذا الإخلاص والاستسلام * (محسن) * أي: متبع لشريعة الله، التي أرسل الله بها رسله، وأنزل كتبه، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم. * (واتبع ملة إبراهيم) * أي: دينه وشرعه * (حنيفا) * أي: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، وعن التوجه للخلق، إلى الإقبال على الخالق. * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * والخلة أعلى أنواع المحبة. وهذه المرتبة، حصلت للخليلين، محمد، وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام. وأما المحبة من الله، فهي لعموم المؤمنين. وإنما اتخذ الله إبراهيم خليلا، لأنه وفى بما أمر به، وقام بما ابتلي به. فجعله الله إماما للناس، واتخذه خليلا، ونوه بذكره في العالمين. * (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا) * وهذه الآية الكريمة، فيها بيان إحاطة الله تعالى بجميع الأشياء. فأخبر أن له * (ما في السماوات وما في والأرض) * أي: الجميع ملكه وعبيده. فهم المملوكون، وهو المالك المتفرد بتدبيرهم. وقد أحاط علمه بجميع المعلومات، وبصره بجميع المبصرات، وسمعه بجميع المسموعات، ونفذت مشيئته وقدرته، بجميع الموجودات، ووسعت رحمته أهل الأرض والسماوات، وقهر بعزه وقهره، كل مخلوق، ودانت له جميع الأشياء. * (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) * الاستفتاء: طلب السائل من المسؤول، بيان الحكم الشرعي في ذلك المسؤول عنه. فأخبر عن المؤمنين، أنهم يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم، في حكم النساء المتعلق بهم فتولى الله هذه الفتوى بنفسه فقال: * (قل الله يفتيكم فيهن) * فاعملوا على ما أفتاكم به، في جميع شؤون النساء، من القيام بحقوقهن، وترك ظلمهن، عموما وخصوصا. وهذا أمر عام، يشمل جميع ما شرع الله، أمرا، ونهيا، في حق النساء، الزوجات وغيرهن، الصغار والكبار. ثم خص بعد التعميم الوصية بالضعاف، من اليتامى، والولدان، اهتماما بهم، وزجرا عن التفريط في حقوقهم فقال: * (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) * أي: ويفتيكم أيضا، بما يتلى عليكم في الكتاب، في شأن اليتامى من النساء. * (اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن) *. وهذا إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت. فإن اليتيمة، إذا كانت تحت ولاية الرجل، بخسها حقها، وظلمها، إما بأكل مالها الذي لها، أو بعضه، أو منعها من التزوج، لينتفع بمالها، خوفا من استخراجه من يده، إن زوجها، أو يأخذ من صهرها، الذي تتزوج به، بشرط أو غيره، هذا إذا كان راغبا عنها. أو يرغب فيها وهي ذات جمال ومال، ولا يقسط في مهرها، بل يعطيها دون ما تستحق. فكل هذا ظلم يدخل تحت هذا النص، ولهذا قال: * (وترغبون أن تنكحوهن) * أي: ترغبون عن نكاحهن، أو في نكاحهن كما ذكرنا تمثيله. * (والمستضعفين من الولدان) * أي: ويفتيكم في المستضعفين من الولدان الصغار، أن تعطوهم حقهم، من الميراث، وغيره، وأن لا تستولوا على أموالهم، على وجه الظلم والاستبداد. * (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) * أي: بالعدل التام. وهذا يشمل القيام عليهم، بإلزامهم أمر الله، وما أوجبه على عباده، فيكون الأولياء، مكلفين بذلك، يلزمونهم بما أوجبه الله. ويشمل القيام عليهم، في مصالحهم الدنيوية، بتنمية أموالهم، وطلب الأحظ لهم فيها، وأن لا يقربوها إلا بالتي هي أحسن. وكذلك لا يحابون فيهم، صديقا ولا غيره، في تزوج وغيره، على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من رحمته تعالى بعباده، حيث حث غاية الحث، على القيام بمصالح من لا يقوم بمصلحة نفسه، لضعفه، وفقد أبيه. ثم حث على الإحسان عموما، فقال: * (وما تفعلوا من خير) * لليتامى ولغيرهم، سواء كان الخير متعديا، أو لازما. * (فإن الله كان به عليما) * أي: قد أحاط علمه بعمل العاملين للخير، قلة وكثرة، حسنا وضده، فيجازي كلا بحسب عمله. * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهمآ أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها، أي ترفعه عنها، وعدم رغبته فيها، وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة، أن يصلحا بينهما صلحا، بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها، على وجه تبقى مع زوجها. إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة، أو الكسوة، أو المسكن، أو القسم، بأن تسقط حقها منه. أو تهب يومها وليلتها، لزوجها، أو لضرتها. فإذا اتفقا على هذه الحالة، فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها، ولا على الزوج. فيجوز حينئذ لزوجها، البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة. ولهذا قال: * (والصلح
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»