المنافقين. ساء ظنهم بالله، وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين. ولحظوا بعض الأسباب، التي عند الكافرين، وقصر نظرهم عما وراء ذلك. فاتخذوا الكافرين أولياء، يتعززون بهم، ويستنصرون. والحال أن العزة لله جميعا، فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين. وإدالة العدو عليهم، إدالة، غير مستمرة، فإن العاقبة والاستقرار، للمؤمنين. وفي هذه الآية، الترهيب العظيم من موالاة الكافرين؛ وترك موالاة المؤمنين، وأن ذلك، من صفات المنافقين. وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم. * (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * أي: وقد بين الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي * (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) * أي: يستهان بها. وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله، الإيمان بها، وتعظيمها وإجلالها، وتفخيمها. وهذا هو المقصود بإنزالها، وهو الذي خلق الله الخلق لأجله. فضد الإيمان؛ الكفر بها، وضد تعظيمها؛ الاستهزاء بها واحتقارها. ويدخل في ذلك، مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون، على اختلاف أنواعهم. فإن احتجاجهم على باطلهم، يتضمن الاستهانة بآيات الله، لأنها لا تدل إلا على الحق، ولا تستلزم إلا صدقا. بل وكذلك يدخل فيه، حضور مجالس المعاصي والفسوق، التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم * (حتى يخوضوا في حديث غيره) * أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. * (إنكم إذا) * أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكور * (مثلهم) * لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية، كالفاعل لها. والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم، مع القدرة، أو القيام مع عدمها. * (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) * كما اجتمعوا على الكفر والموالاة. ولا ينفع المنافقين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين كما قال تعالى: * (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم) * إلى آخر الآيات. ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين، ومعاداتهم للمؤمنين فقال: * (الذين يتربصون بكم) * أي: ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها، وتنتهون إليها، من خير أو شر، قد أعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم. * (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) *. فيظهرون أنهم مع المؤمنين، ظاهرا وباطنا، ليسلموا من القدح والطعن عليهم، وليشركوهم في الغنيمة والفيء، ولينتصروا بهم. * (وإن كان للكافرين نصيب) * ولم يقل فتح، لأنه لا يحصل لهم فتح، يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة. بل غاية ما يكون، أن يكون لهم نصيب غير مستقر، حكمة من الله. فإذا كان ذلك * (قالوا ألم نستحوذ عليكم) * أي: نستولي عليكم * (ونمنعكم من المؤمنين) * أي: يتصنعون عندهم، بكف أيديهم عنهم، مع القدرة، ومنعهم من المؤمنين، بجميع وجوه المنع في تنفيرهم، وتزهيدهم في القتال، ومظاهرة الأعداء عليهم، وغير ذلك، مما هو معروف منهم. * (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * فيجازي المؤمنين، ظاهرا وباطنا، بالجنة، ويعذب المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات. * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * أي: تسلطا واستيلاء عليهم. بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم. ولا يزال الله، يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، ودفع تسليط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن بعض المسلمين، الذين تحكمهم الطوائف الكافرة، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم، ولا يكونون مستصغرين عندهم. بل لهم العز التام من الله، فلله الحمد، أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا. * (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين
(٢١٠)