أولياءه ومن أراد به خيرا عدلا منه وحكمة لعلمه بأنهم غير زاكين على الهدى ولا قابلين للرشاد لفساد أخلاقهم وسوء قصدهم ثم أخبر أن الذين اختاروا الكفر على الإيمان ورغبوا فيه رغبة من بذل ما يحب من المال في شراء ما يحب من السلع * (لن يضروا الله شيئا) * بل ضرر فعلهم يعود على أنفسهم ولهذا قال: * (ولهم عذاب أليم) * وكيف يضرون الله شيئا وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن؟! فالله غني عنهم وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم وأعد له - ممن ارتضاه لنصرته - أهل البصائر والعقول وذوي الألباب من الرجال الفحول قال الله تعالى: * (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) * الآيات (178) * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) * أي: ولا يظن الذين كفروا بربهم ونابذوا دينه وحاربوا رسوله أن تركنا إياهم في هذه الدنيا وعدم استئصالنا لهم وإملائنا لهم خير لأنفسهم ومحبة منا لهم كلا ليس الأمر كما زعموا وإنما ذلك لشر يريده الله بهم وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم ولهذا قال: * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) *: فالله تعالى يملي للظالم حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر فليحذر الظالمون من الإمهال ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال (179) * (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) * أي: ما كان في حكمة الله أن يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط وعدم التمييز حتى يميز الخبيث من الطيب والمؤمن من المنافق والصادق من الكاذب ولم يكن في حكمته أيضا أن يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان فأرسل [الله] رسله وأمر بطاعتهم والانقياد لهم والإيمان بهم ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين: مطيعين وعاصين ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين ليرتب على ذلك الثواب والعقاب وليظهر عدله وفضله وحكمته لخلقه (180) * (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) * أي: ولا يظن الذي يبخلون أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم وغير ذلك مما منحهم الله وأحسن إليهم به وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده فبخلوا بذلك وأمسكوه وضنوا به على عباد الله وظنوا أنه خير لهم بل هو شر لهم في دينهم ودنياهم وعاجلهم وآجلهم * (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) * أي: يجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزميه يقول: أنا مالك أنا كنزك وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك هذه الآية فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم ومجد عليهم فانقلب عليهم الأمر وصار من أعظم مضارهم وسبب عقابهم * (ولله ميراث السماوات والأرض) * أي: هو تعالى ملك الملك وترد جميع الأملاك إلى مالكها وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار ولا غير ذلك من المال قال تعالى: * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) * وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب النهائي الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله أخبر أولا: أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة ليس ملكا للعبد بل لولا فضل الله عليه وإحسانه لم يصل إليه منه شيء فمنعه ذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * فمن تحقق أن ما بيده هو فضل من الله لم يمنع الفضل الذي لا يضره بل ينفعه في قلبه وماله وزيادة إيمانه وحفظه من الآفات ثم ذكر ثانيا: أن هذا الذي بيد
(١٥٨)