الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 1، 2) الآية، وما في النظم الجليل هنا قيل: محتمل للأول للاستقبال الودادة من بعض الاعتبارات كما تقدم، وعبر بالماضي اعتبارا للتقدم الرتبي من حيث أن الرد عند الكفرة أشق المضار لعلمهم أن الدين أعز على المؤمنين من أرواحهم لأنهم باذلون لها دونه، وأهم شيء عند العدو أن يقصد أهم شيء عند صاحبه؛ ومحتمل للثالث بأن يكون المراد المجموع بتأويل يريدون لكم مضار الدنيا والآخرة، قيل: وللثاني أيضا بأن يكون الجزاء هو - يبسطوا - وذكرت عدواتهم وودادتهم الرد لشدة الارتباط لما هناك من السببية والمسببية وهو كما ترى؛ وجعل الطيبي المجموع مجازا من إطلاق السبب وإرادة المسبب وهو مضار الدارين، وذكر أن الجواب في الحقيقة مقدر أي يريدوا لكم مضار الدنيا والدين، وما ذكر دليله أقيم مقامه، وقيل: عبر في الودادة بالماضي لتحققها عند المؤمنين أتم من تحقق ما قبلها، وحمل عليه كلام لصاحب المفتاح.
وعن بعضهم أن الواو واو الحال لا واو العطف، والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه، ولا يخفى أن العطف هو المتبادر، وكونه على الجزاء أبعد مغزى، وإخراج الشرط والجزاء على نحو ذلك أكثر من أن يحصى.
* (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير) *.
* (لن تنفعكم أرحامكم) * دفع لما عسى أن يتخيلوا كونه عذرا نافعا من أن الداعي للاتخاذ وإلقاء المودة صيانة الأرحام والأولاد من أذى أولئك، والرحم في الأصل رحم المرأة، واشتهر في القرابة حتى صار كالحقيقة فيها، فإما أن يراد به ذلك أو يجعل مجازا عن القريب، أو يعتبر معه مضاف أي ذوو أرحامكم، ويؤيد التأويل عطف قوله تعالى: * (ولا أولادكم) * أي لن ينفعكم قراباتكم أو أقاربكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين لأجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم * (يوم القيامة) * بدفع ضر أو جلب نفع * (يفصل بينكم) * استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذ أي يفرق الله تعالى بينكم بما يكون من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى: * (يوم يفر المرء من أخيه) * (عبس: 34) الآية فلا ينبغي أن يرفض حق الله تعالى وتوالى أعداؤه سبحانه لمن هذا شأنه، وما أشرنا إليه من تعلق يو القيامة بالفعل قبله هو الظاهر، وجوز تعلقه - بيفصل - بعده.
وقرأ حمزة. والكسائي. وابن وثاب - يفصل - بضم الياء وتشديد الصاد مبنيا للفاعل، وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما خففا، وطلحة. والنخعي - نفصل - بالنون مضمومة والتشديد والبناء للفاعل، وهما أيضا. وزيد بن علي بالنون مفتوحة مخففا مبنيا للفاعل، وأبوحيوة أيضا بالنون مضمومة.
وقرأ الأعرج. وعيسى. وابن عامر - يفصل - بالياء والتشديد والبناء للمفعول، وجمهور القراء كذلك إلا أنهم خففوا، ونائب الفعل إما * (بينكم) * وهو مبني على الفتح لإضافته إلى متوغل في البناء كما قيل، وإما ضمير المصدر المفهوم من الفاعل أي يفصل هو أي الفصل * (والله بما تعملون بصير) * فيجازيكم به.
* (قد كانت لكم أسوة حسنة فىإبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضآء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك ومآ أملك لك من الله من شىء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) *.
* (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) * تأكيد لأمر الإنكار عليهم والتخطئة في موالاة الكفار بقصة إبراهيم عليه السلام ومن معه ليعلم أن الحب في الله تعالى والبغض فيه سبحانه من أوثق عرا الايمان فلا ينبغي أن يغفل عنهما، والأسوة بضم الهمزة وكسرها وهما لغتان، وبالكسر قرأ جميع القراء إلا عاصما وهي بمعنى الائتساء والاقتداء، وتطلق على الخصلة التي من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها، وعلى نفس الشخص المؤتسى به،