تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٤
أي فمن لم يجد رقبة فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين من قبل التماس، والمراد - بمن لم يجد - من لم يملك رقبة ولا ثمنها فاضلا عن قدر كفايته لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم، وقدر الكفاية من القوت للمحترف قوت يوم. وللذي يعمل قوت شهر - على ما في " البحر " - ومن له عبد يحتاج لخدمته واجد فلا يجزئه الصوم، وهذا بخلاف من له مسكن لأنه كلباسه ولباس أهله، وعند الشافعية المراد به من لم يملك رقبة أو ثمنها فاضلا كل منهما عن كفاية نفسه وعياله العمر الغالب نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا لا بد منه، وعن دينه ولو مؤجلا.
وقالوا: إذا لم يفضل القن أو ثمنه عما ذكر لاحتياجه لخدمته لمنصب يأبى خدمته بنفسه أو ضخامة كذلك بحيث يحصل له بعتقه مشقة شديدة لا تحتمل عادة ولا أثر لفوات رفاهية أو مرض به أو بممونه فلا عتق عليه لأنه فاقد شرعا - كمن وجد ماءا وهو يحتاجه لعطش - وإلى اعتبار كون ذلك فاقدا - كواجد الماء المذكور - ذهب الليث أيضا.
والفرق عندنا على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه بخلاف الخادم، واليسار والإعسار معتبران وقت التكفير والأداء، وبه قال مالك، وعن الشافعي أقوال في وقتهما أظهرها كما هو عندنا، قالوا: لأن الكفار أعني الإعتاق عبادة لها بدل من غير جنسها كوضوء وتيمم وقيام صلاة وقعودها فاعتبر وقت أدائها، وغلب الثاني كمذهب أحمد. والظاهرية شائبة العقوبة فاعتبر وقت الوجوب - كما لو زنى قن ثم عتق فإنه يحد حد القن - والثالث الأغلظ من الوجوب إلى الأداء، والرابع الأغلظ منهما، وأعرض عما بينهما.
ومن يملك ثمن رقبة إلا أنه دين على الناس فإن لم يقدر على أخذه من مديونه فهو فاقد فيجزئه الصوم وإن قدر فواجد فلا يجزئه وإن كان له مال ووجب عليه دين مثله فهو فاقد بعد قضاء الدين، وأما قبله فقيل فاقد أيضا بناءا على قول محمد أنه تحل له الصدقة المشير إلى أن ماله لكونه مستحقا الصرف إلى الدين ملحق بالعدم حكما، وقيل: واجد لأن ملك المديون في ماله كامل بدليل أنه يملك جميع التصرفات فيه.
وفي " البدائع " لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير فعليه تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه واحد حقيقة، وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة، ويمنع وجوب شرائها بما عنده من مثل الدين على أحد القولين، والظاهر أن الشراء متى وجب يعتبر فيه ثمن المثل، وصرح بذلك النووي. وغيره من الشافعية فقالوا: لا يجب شراء الرقبة بغبن أي زيادة على ثمن مثلها نظير ما يذكر في شراء الماء للطهارة، والفرق بينهما بتكرر ذلك ضعيف، وعلى الأول - كما قال الأذرعي. وغيره نقلا عن الماوردي واعتمدوه - لا يجوز العدول للصوم بل يلزمه الصبر إلى الوجود بثمن المثل، وكذا لو غاب ماله فكيلف الصبر إلى وصوله أيضا، ولا نظر إلى تضررهما بفوات التمتع مدة الصبر لأنه الذي ورط نفسه فيه انتهى.
وما ذكروه فيما لو غاب ماله موافق لمذهبنا فيه ولو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن ظهار إحداهما، ثم أعتق عن ظهار الأخرى، ففي المحيط في نظير المسألة ما يقتضي عدم إجزاء الصوم عن الأولى قال: عليه كفارتا يمين، وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه لأنه صام وهو قادر على التكفير بالمال فلا يجزئه، ويعتبر الشهر بالهلال فلا فرق بين التام والناقص
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»