تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٥٢
فقالت: زدني، فأنشد:
وفينا رسول الله يتلو كتابه * كما لاح معروف من الصبح ساطع أتى بالهدى بعد العمى فنفوسنا * به موقنات إن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا رقدت بالكافرين المضاجع فقالت: زدني، فأنشد: شهدت بأن وعد الله حق * وأن النار مثوى الكافرينا وأن محمدا يدعو بحق * وأن الله مولى المؤمنينا وأن العرش فوق الماء طاف * وفوق العرش رب العالمينا ويحمله ملائكة شداد * ملائكة الإله مسومينا فقالت: أما إذ قرأت القرآن فقد صدقتك، وفي رواية أنها قالت - وقد كانت رأته على ما تكره - إذن صدق الله وكذب بصري، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم، وقال: " خيركم خيركم لنسائه ".
* (إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مول‍اه وجبريل وص‍الح المؤمنين والمل‍ائكة بعد ذالك ظهير) *.
* (إن تتوبا إلى الله) * خطاب لحفصة. وعائشة رضي الله تعالى عنهما على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في المعاتبة فإن المبالغ في العتاب يصير المعاتب أولا بعيدا عن ساحة الحضور، ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد، وكون الخطاب لهما لما أخرج أحمد. والبخاري. ومسلم. والترمذي. وابن حبان. وغيره عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر رضي الله تعالى عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: * (إن تتوبا) * الخ حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالأداوة فنزل ثم أني صببت على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: * (إن تتوبا) * الخ؟ فقال: واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة. وحفصة ثم أنشأ يحدثني الحديث الحديث بطوله؛ ومعنى قوله تعالى: * (فقد صغت قلوبكما) * مالت عن الواجب من مخالفته صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه إلى مخالفته، والجملة قائمة مقام جواب الشرط بعد حذفه، والتقدير إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب * (فقد صغت قلوبكما) * أو فحق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها وهو على معنى فقد ظهر أن ذلك حق كما قيل في قوله: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة من أنه بتأويل تبين أني لم تلدني لئيمة، وجعلها ابن الحاجب جوابا من حيث الإعلام كما قيل في: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، وقيل: الجواب محذوف تقديره يمح إثمكما، وقوله تعالى: * (فقد صغت) * الخ بيان لسبب التوبة، وقيل: التقدير فقد أديتما ما يجب عليكما أو أتيتما بما يحق لكما، وما ذكر دليل على ذلك قيل: وإنما لم يفسروا * (فقد صغت قلوبكما) * بمالت إلى الواجب. أو الحق. أو الخير حتى يصح جعله جوابا من غير احتياج إلى نحو ما تقدم لأن صيغة الماضي - وقد - وقراءة ابن مسعود - فقد زاغت قلوبكما - وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ تقتضي ما سلف، وتعقب بأنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك من أن الجواب يكون ماضيا وإن لم يكن لفظ كان، وفيه نظر، والجمع في * (قلوبكما) * دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالا من التثنية والإفراد، قال أبو حيان: لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر كقوله:
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»