تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٥٧
تقليل للحذف وإيثار العطف المفرد الذي هو الأصل والتغليب الذي نكتته الدلالة على الأصالة والتبعية.
وقرأ الحسن. ومجاهد * (وقودها) * بضم الواو أي ذو وقودها، وتمام الكلام في هذه الآية يعلم مما مر في سورة البقرة * (عليها مل‍ائكة) * أي أنهم موكولون يلون أمرها وتعذيب أهلها وهم الزبانية التسعة عشر قيل: وأعوانهم * (غلاظ شداد) * غلاظ الأقوال شداد الأفعال، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة، أخرج عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكبي أحدهم مسيرة مائة خريف ليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحنا من لدن قرنه إلى قدمه * (لا يعصون الله ما أمرهم) * صفة أخرى - لملائكة - و * (ما) * في محل النصب على البدل أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره تعالى كقوله تعالى: * (أفعصيت أمري) * أو على إسقاط الجار أي لا يعصون فيما أمرهم به * (ويفعلون ما يؤمرون) * أي الذي يأمرهم عز وجل به، والجملة الأولى لنفي المعاندة والاستكبار عنهم صلوات الله تعالى عليهم فهي كقوله تعالى: * (لا يستكبرون عن عبادته) *، والثانية لإثبات الكياسة لهم ونفي الكسل عنهم فهي كقوله تعالى: * (ولا يستحسرون) * إلى * (لا يفترون) *، وبعبارة أخرى إن الأولى لبيان القبول باطنا فإن العصيان أصله المنع والإباء، وعصيان الأمر صفة الباطن بالحقيقة لأن الإتيان بالمأمور إنما يعد طاعة إذا كان بقصد الامتثال فإذا نفي العصيان عنهم دل على قبولهم وعدم إبائهم باطنا، والثانية لأداء المأمور به من غير تثاقل وتوان على ما يشعر به الاستمرار المستفاد من * (يفعلون) * فلا تكرار، وفي المحصول * (لا يعصون) * فيما مضى على أن المضارع لحكاية الحال الماضية * (ويفعلون ما يؤمرون) * في الآتي.
وجوز أن يكون ذلك من باب الطرد والعكس وهو كل كلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس مبالغة في أنهم لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أو أمر الله عز وجل والغضب له سبحانه.
* (ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) *.
* (يا أيها الذين كفروا لا تعتذرو االيوم) * مقول لقول قد حذف ثقة بدلالة الحال عليه يقال لهم ذلك عند إدخال الملائكة إياهم النار حسبما أمروا به، فتعريف اليوم للعهد ونهيهم عن الاعتذار لأنهم لا عذر لهم أو لأن العذر لا ينفعهم * (إنما تجزون ما كنتم تعملون) * في الدنيا من الكفر والمعاصي بعد ما نهيتهم عنهما أشد النهي وأمرتم بالايمان والطاعة على أتم وجه.
* (ياأيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئ‍اتكم ويدخلكم جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار يوم لا يخزى الله النبى والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيم‍انهم يقولون ربنآ أتمم لنا نورنا واغفر لنآ إنك على كل شىء قدير) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله) * من الذنوب.
* (توبة نصوحا) * أي بالغة في النصح فهو من أمثلة المبالغة كضروب وصفت التوبة به على الإسناد المجازي وهو وصف التائبين، وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم فيأتوا بها على طريقها، ولعله ما تضمنه ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: " قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله تعالى ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع " وروى تفسيرها بما ذكر عن عمر. وابن مسعود. وأبي. والحسن. ومجاهد. وغيرهم، وقيل: نصوحا من نصاحة الثوب أي خياطته أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك، وقيل: خالصته من قولهم: عسل ناصح إذا خلص من الشمع، وجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها، واستعمال
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»