تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٥٤
صلى الله عليه وسلم حين نزلت أخذ بيد علي كرم الله تعالى وجهه فقال: يا أيها الناس هذا صالح المؤمنين.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري أنه قال: هو عمر بن الخطاب، وأخرج هو. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: * (وصالح المؤمنين) * نزل في عمر بن الخطاب خاصة، وأخرج ابن عساكر عن مقاتل بن سليمان أنه قال: * (وصالح المؤمنين) * أبو بكر. وعمر. وعلي رضي الله تعالى عنهم، وقيل: الخلفاء الأربعة.
وأخرج الطبراني في " الأوسط ". وابن مردويه عن ابن عمر. وابن عباس قالا: نزلت * (وصالح المؤمنين) * في أبي بكر. وعمر، وذهب إلى تفسيره بهما عكرمة. وميمون بن مهران. وغيرهما، وأخرج الحاكم عن أبي أمامة. والطبراني. وابن مردويه. وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * (وصالح المؤمنين) * أبو بكر. وعمر، وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أبي يقرؤها * (وصالح المؤمنين) * أبو بكر. وعمر، ورجح إرادة ذلك بأنه اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة عليهم السلام فإنه جمع بين الظهير المعنوي والظهير الصوري كيف لا وأن جبريل عليه السلام ظهير له صلى الله عليه وسلم يؤيده بالتأييدات الإله‍اية وهما وزيراه وظهيراه في تدبير أمور الرسالة وتمشية أحكامها الظاهرة مع أن بيان مظاهرتهما له عليه السلام أشد تأثيرا في قلوب بنيتهما وتوهينا لأمرهما.
وأنا أقول العموم أولى، وهما - وكذا علي كرم الله تعالى وجهه - يدخلان دخولا أوليا، والتنصيص على بعض في الأخبار المرفوعة إذا صحت لنكتة اقتضت ذلك لا لإرادة الحصر، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: من صالح المؤمنين أبو بكر. وعمر، وفائدة * (بعد ذلك) * التنبيه على أن نصرة الملائكة عليهم السلام أقوى وجوه نصرته عز وجل وإن تنوعت، ثم لا خفاء في أن نصرة جميع الملائكة - وفيهم جبريل - أقوى من نصرة جبريل عليه السلام وحده.
وقيل: الإشارة إلى مظاهرة صالح المؤمنين خاصة فالتعظيم بالنسبة إليها، وفي التنبيه على هذا دفع توهم ما يوهمه الترتيب الذكري من أعظمية مظاهرة المتقدم، وبالجملة فائدة * (بعد ذلك) * نحو فائدة - ثم - في قوله تعالى: * (ثم كان من الذين آمنوا) * (البلد: 17) وهو التفاوت الرتبي أي أعظمية رتبة ما بعدها بالنسبة إلى ما قبلها وهذا لا يتسنى على ما نقل عن " البحر " بل ذلك للاشارة إلى تبعية المذكورين في النصرة والإعانة عز وجل، وأيا ما كان فإن شرطية - وتظاهرا - فعل الشرط، والجملة المقرونة بالفاء دليل الجواب، وسبب أقيم مقامه، والأصل فإن - تظاهرا - عليه فلن يعدم من يظاهره فإن الله مولاه، وجوز أن تكون هي بنفسه الجواب على أنها مجاز أو كناية عن ذلك، وأعظم جل جلاله شأن النصرة لنبيه صلى الله عليه وسلم على هاتين الضعيفتين إما للإشارة إلى عظم مكر النساء أو للمبالغة في قطع حبال طعمهما لعظم مكانتهما عند رسول الله عليه الصلاة والسلام وعند المؤمنين لأمومتهما لهم وكرامة له صلى الله عليه وسلم ورعاية لأبويهما في أن تظاهرهما يجديهما نفعا.
وقيل: المراد المبالغة في توهين أمر تظاهرهما ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره في أمر النبوة والتبليغ وقهر أعداء الدين لما أن العادة قاضية باشتغال بال الرجل بسبب تظاهر أزواجه عليه، وفيه أيضا مزيد إغاظة للمنافقين وحسم لأطماعهم الفارغة فكأنه قيل: فإن تظاهرا عليه لا يضر ذلك في أمره فإن الله تعالى هو مولاه وناصره في أمر دينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه * (وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك) * (التحريم: 4) مظاهرون له ومعينون إياه كذلك، ويلائم هذا ترك ذكر المعان عليه حيث
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»